تثبيت دعم الوقود أو رفعه..هل الهدف هو (العدل) أم الإكراه على الفراغ؟

الوحدة: 16- 6- 2020

 

يظن الداخل إلى مديرية نقل اللاذقية أن يوم الحشر قد أتى، والناس يبعثون من أجداثهم، فلا موطئ قدم لوافد جديد، ولا مكان لمركبة أخرى في ساحات المديرية الواسعة، وكورونا تبتسم لهذه البيئة الجيدة، وتبحث عن وسيلة للولوج إليها.

قبل أن ندخل في الأسباب والدواعي لهذا الاكتظاظ، لا بد أن نشير ونشيد بالعاملين في مديرية النقل، فقد راقبنا عملهم طيلة يوم كامل، ولم نلحظ منهم أي تأفف أو امتعاض، بل كان تعاونهم مع المراجعين علامة فارقة ضمن هذه الأجواء من أصغر موظف حتى المدير الذي شاهدناه يتجول طيلة ساعات الدوام بين المراجعين والموظفين، ويحاول تذليل بعض الصعوبات بنفسه، فوجب علينا أن ننوه إلى ذلك.

في الأسباب..

لا شك بأن الحظر الذي طبق في كل أنحاء البلاد إثر جائحة كورونا، وتعطل الجهات العامة عن تقديم خدماتها للمواطنين، أدت إلى تراكم كبير في المعاملات، وكان من المتوقع أن نشهد ازدحاماً مضاعفاً في كل مؤسسات الدولة عند عودة الحياة إلى طبيعتها، ولكن الاختناق الحاصل في مديرية النقل ليس مرده كورنا فقط، ولذلك وجب علينا أن نبحث عن السبب الحقيقي الذي زاد الطين بلة والمريض علة، وهنا يكمن موضوع بحثنا.

في الشهر الماضي، اتخذت وزارة النفط بتوصية من اللجنة الاقتصادية قراراً بوقف البنزين المدعوم عن السيارات التي يتجاوز محركها سعة ال٢٠٠٠cc، وأرفقته بقرار آخر يحرم كل من يمتلك سيارتين أياً كان نوعهما من البنزين المدعوم، وذكرنا في تلك اللحظات أن هذا القرار سيخلق إرباكات شديدة، ولن يعمم العدل في توزيع الدعم إلى مستحقيه، فماذا حصل؟، ولماذا هجم الناس على مديريات النقل ومركز البطاقة الذكية بهذا الشكل المريب؟.

عندما طبق القرار المذكور ضج الناس وطالبوا أصحاب القرار بفتح مراكز البطاقة الذكية لتعديل بيانات سياراتهم، فآلاف المالكين باعوا، واشتروا عبر وكالات غير قابلة للعزل، وجل من باع سيارته بهذه الطريقة أبقى على وضع البطاقة الذكية كما كان، فالشاري والبائع لم ينقلا البطاقة إلى اسميهما، وكثيرون منهم باتوا يملكون بطاقتين باسمهم أي سيارتين بحسب بيانات (تكامل)، وبناء عليه كان لابد للمحرومين من البنزين المدعوم أن يهرعوا إلى مراكز البطاقة الذكية عند افتتاحها من جديد لتقديم الثبوتيات بأنهم لا يملكون سوى سيارة واحدة بالرغم من وجود أكثر من بطاقة باسمهم.

الرابط بين مراكز البطاقة ومديريات النقل وثيق جداً، فالشروط التي وُضعت من قبل وزارة النفط لإثبات الملكية من عدمها لا يمكن تحقيقها إلى من خلال سحب بيانات السيارات من مديريات النقل، فشُّرع الباب للازدحام، وبات توافد المواطنين بكثافة إلى مديريات النقل أمراً طبيعياً، ولكنه مكلف للغاية في ظل جائحة كورونا، وخطرها المحدق بالجميع حتى هذه اللحظة.

أين وقعت المشكلة؟

عند ما طالب المتضررون بآلية يثبتون من خلالها أنهم لا يملكون سوى سيارة واحدة، وأن تعدد البطاقات ناتج عن عمليات البيع والشراء بموجب الوكالات، أصدرت وزارة النفط التعليمات المطلوبة لتصحيح البيانات، فجاء في البند الأول:

 في حال وجود أكثر من بطاقة باسم شخص، يتم تقديم طلب يذكر فيه كافة البيانات اللازمة ولكافة البطاقات التي باسمه وهي:

– عدد البطاقات للسيارات التي باسمه مع أرقامها وأرقام لوحات السيارات.

– رقم البطاقة للسيارة التي يملكها فقط مع رقم لوحة السيارة.

– صورة عن مكانيك أو كشف اطلاع أو بيان قيد مركبة بالإضافة لتأمين ساري المفعول لكل سيارة بطاقتها باسمه.

– صورة عن هويته الشخصية وصور هويات مالكين السيارات التي بطاقاتها باسمه.

هنا حصلت المشكلة، وتبين أن الهدف من القرار أبعد من مئة ليتر بنزين مدعوم، وإنما الهدف الحقيقي هو إجبار كل من يملك سيارة بموجب وكالة أن يقوم بفراغها على اسمه، ودفع الرسوم المطلوبة والمقدرة بعشرات الآلاف، وهذا الأمر قد يبدو حقاً طبيعياً لخزينة الدولة، وآلية إلزامية لتحصيل الرسوم، ولكنه يتناقض كلياً مع دروس كورونا التي تشرحها منصات الحكومة في كل دقيقة، وتبين أن أسباب الوقاية وطرقها تكمن في عدم الاختلاط، والابتعاد عن الأماكن المزدحمة، وإذ بها تتخذ قراراً يتناقض مع الدروس النظرية، ويمهد لمسرح (كوروني) تراجيدي على أبواب مديريات النقل، ومراكز البطاقة الذكية.

على من وقع الظلم؟

نلاحظ في بنود الثبوتيات المطلوبة أن الشخص الذي باع سيارته بموجب وكالة، لن يستفيد من إبراز وكالته لإثبات واقعة البيع، فالمطلوب منه هو دفتر ميكانيك السيارة المباعة، وصورة عن هوية المالك، وهذا طلب تعجيزي بكل ما للكلمة من معنى، فالبائع قد لا يعرف الشاري، وربما التقاه مرة واحدة عندما بصم له على الوكالة، وحصوله على دفتر ميكانيك السيارة، وصورة عن هوية الشاري ليس متاحاً -كما افترض أصحاب القرار- ولن تنفع صورة وكالة البيع بأي شيء مع إنها عمل قانوي بالمطلق، والوكالة تنوب عن الفراغ في مسألة إثبات الملكية.

ونفهم من إقصاء الوكالة، وعدم اعتبارها إثباتا لبيع السيارة، أو الاعتراف بها لتغيير بيانات البطاقة، أن المطلوب هو الفراغ ودفع الرسوم فقط، وليظلم من يظلم (لا مشكلة)، لأن إجبار الشاري على الفراغ ليست من صلاحيات أحد، وفي حال قرر أن يبقي السيارة على اسم المالك القديم لعشرات السنين، فإن هذا المالك سيبقى محروماً من البنزين المدعوم مع أنه قد يكون من مستحقي الدعم، والمحتاجين له.

كيف تحصل عملية الالتفاف؟

عندما صدر القرار (موضوع البحث)، قلنا إن القرار أعرج، وتنقصه الآلية الواضحة للوصول إلى شعاره العريض (إيصال الدعم إلى مستحقيه)، وتوقعنا أن يجد المتضررون آلية للالتفاف عليه، وهذا ما يحصل فعلياً، وهذا هو سبب الازدحام المومأ إليه في مديرية النقل، ومراكز البطاقة الذكية، فإن كانت وكالة البيع مرفوضة لإثبات الملكية من عدمها في بيانات تعديل البطاقة، فلا سبيل إلى استعادة البنزين المدعوم إلا بفراغ أي سيارة تزيد عن الواحدة لصالح أحد أفراد الأسرة، فمن يمتلك سيارتين أو أكثر، قد يتنازل عن واحدة لزوجته، أو ابنه مثلاً عبر عملية الفراغ في مديرية النقل، وستعود كمية البنزين المدعوم إلى السيارتين أو الثلاث سيارات، وسيعوض المالك رسوم الفراغ خلال وقت قصير، لأن فرق البنزين (حر، ومدعوم)، سيغطي نفقة الفراغ (ويا دار ما دخلك شر).

خلاصة..

إن الهدف المعلن من القرار لم يمهد الطريق لوصول الدعم إلى مستحقيه، ولم يحقق العدالة المنشودة، بل أوقع الظلم على كثيرين، وتركهم تائهين على أبواب مديريات النقل ومراكز البطاقة الذكية، كما جعلهم هدفاً ثابتاً لفايروس كورنا، وبيئة خصبة لتكاثره في حال وجود شخص واحد مصاب(لا سمح الله) ضمن هذه الجموع الغفيرة، وإلى أن ينتهي هؤلاء من عمليات تعديل البطاقة ونقل الملكيات، قد نكون أمام بنزين بسعر واحد، أو ربما يكون صاحب القرار قد اخترع مطباً جديداً كي يعذبنا به.

غيث حسن

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار