الوحدة 9-6-2020
على الرغم من انتشارها في الكثير من بقاع الدنيا بقيت الوردة الشامية محافظة على اسمها وارتباطها بالأرض التي شهدت مولدها.. لكن ارتباط هذه الوردة بهذه الأرض لم يسعفها في الحصول على الاهتمام المطلوب من قبل أهل هذه الأرض إلا منذ سنوات قليلة شهدت تزايداً في الاهتمام والرعاية التي لم تمكننا حتى الآن في استثمار ما تملكه هذه الوردة من مقومات بالشكل الأمثل حيث سبقتنا الكثير من الدول في استثمار ما ارتبط اسمه بنا وهو أمر اتضح من خلال سبر هذه الدول لأغوار ما تملكه الوردة الشامية للحصول على ما فيها من فرص وعوائد وكل ذلك في وقت لازلنا نحن في بداية الطريق.
وللاطلاع على واقع هذه الوردة وما تملكه من مزايا تحدثنا إلى صلاح أيوب الخبير وصاحب التجربة في مجال الوردة الشامية وتصنيعها في محافظة اللاذقية الذي أشار إلى أن تجربته بدأت منذ 15 سنة من خلال زراعة أرض مساحتها 8 دونمات في منطقة قسمين باللاذقية بهذه الوردة واستثمار منتجات هذه الأرض في تصنيع مختلف المنتجات المعروفة محلياً للوردة الشامية وذلك رغم الملاحظات التي تشوب زراعة هذه الوردة في الساحل السوري ولاسيما من الناحية المتعلقة بانخفاض الزيت العطري فيها مقارنة بالجبال وهي القضية التي يمكن تجاوزها من خلال التعويض بكمية الإنتاج عن نوعية المنتج الذي لا زال استثماره محلياً دون المستوى العالمي كون هذا الاستثمار المحلي ما زال بدائياً ولم يمكننا من الحصول على أكثر من 7 -8 مواد من الوردة التي ارتبط اسمها بوطننا في وقت وصل فيه عدد هذه المواد في بعض الدول إلى نحو 100 مادة مستخلصة من تلك الوردة التي كثر من يتاجر باسمها وينسب بعض منتجاته إليها مستغلاً اسمها لتسويق منتجاته دون أن يستخدمها فعلياً وكل ذلك في وقت اقتصر فيه دعم الدولة لهذه الوردة على زراعتها دون اعتبار لكون استثمار هذه الوردة استثمار إنتاجي ومالي مربح وذي جدوى كبيرة ليبقى المزارع بذلك وحيداً ليواجه مشاكل تسويق إنتاجه ولاسيما من الورد الذي يتراوح سعره في السوق حسب أسعار هذا الموسم ما بين 2000 -10 آلاف ليرة سورية وهو الأمر الذي أدى بالكثير من المنتجين إلى البحث عن أصناف زراعية أخرى غير الوردة الشامية نتيجة عدم توفر فرص التسويق المجزية والمناسبة له ولاسيما في الساحل السوري بعد الإشارة إلى أن أهم مناطق زراعة هذه الوردة هي منطقة الحراج في النبك بريف دمشق التي شهدت نهاية موسم قطاف هذه الوردة التي أدخلت عن طريق اليونسكو إلى قائمة التراث العالمي والتي تحتاج للمزيد من الرعاية والترويج لها ولاسيما من الجهات المعنية بالقطاع الزراعي وخصوصاً وزارة الزراعة التي لا يزال دور وحداتها الإرشادية محدوداً في مجال رعاية هذه الوردة و الاهتمام بها بالشكل الأمثل والأنسب الذي يتلاءم مع مزاياها وخصوصيتها وانتمائها إلى وطننا باعتبار أن هذه الوردة هي وردة سورية بامتياز وهو الأمر الذي يدعونا إلى التشديد على ضرورة زيادة الاهتمام فيها بعد التنويه والإشارة بالخطوات التي أنجزت والتي تعتبر بداية نأمل أن تليها خطوات أخرى للحاق بالدول الأخرى التي تستثمر هذه الوردة ومنها السعودية التي تقيم مهرجان في مدينة الطائف للوردة الشامية تصل المبيعات فيه إلى الملايين من الدولارات وتقام فيه الكرنفالات والفعاليات الهامة وكل ذلك في وقت لا تزال فيه تباع الوردة الشامية لدينا في ظروف مشابهة لظروف أسواق الهال دون وجود سعر واضح وحجز لها ولمنتجاتها /ماء الورد – مربى الورد…الخ/ وهو ما لا يتناسب مع مقوماتها الاستثمارية ولا يصل إلى مستوى استثمار الدول الأخرى لها فمدينة اسبارطة في تركيا مثلاً تزرع تلك الوردة في حقول مترامية الأطراف وتقيم المعامل الخاصة بها أسوة بما يقام للزيتون من معاصر تلك المعامل التي يتجه أصحاب الأراضي إليها لتسليم منتجاتهم من الورود التي تحول إلى مختلف أنواع المنتجات عن طريق التقطير أو البيع ورداً وذلك وفقاً لآلية محددة واضحة لا تشبه الطريقة التي تتعامل بها مع وردتنا حتى الآن والتي يبدو فيها الحبل متروكاً على الغارب ولاسيما في ظل غياب جمعية أو جهة تنظيمية ترعى هذه الوردة وخصوصاً على مستوى الساحل السوري الذي لا يزال مزارع هذه الوردة متروكاً لمواجهة مصيره ومساوئ تسويق إنتاجه لوحده دون تقديم الدعم المطلوب له والذي لا يزال مقتصراً على تقديم شتول الوردة له دون تقديم الخبرات المطلوبة للزراعة إن كان لجهة القص والتقليم أو الرش بالأدوية أو التسميد في وقت يتزايد الاهتمام العالمي بهذه الوردة التي ينتج منها الكثير من المنتجات /ماء الورد – زيت الورد – شراب الورد – مربى الورد../ والعديد من الكريمات ومرممات الجلد وأدوات التجميل والعديد من الاستخدامات الطبية الأخرى التي دخلت على الكثير من المشافي والعيادات الطبية ولاسيما زيت الوردة الشامية الذي لا يكاد مشفى يخلو منه علماً بأن سعره مرتفع جداً ويصل إلى نحو 23 ألف دولار لليتر وهو المنتج الذي استخلصه ولدى البعض من كمياته التي عانى من مشكلة تسويقها نظراً لارتفاع سعرها علماً بأن أهم أسواق منتجات الوردة الشامية هي في أوربة ودول الخليج العربي ولبنان والأردن وغيرها في الوقت الذي يقتصر فيه التسويق المحلي محتكراً على بعض الفعاليات الاقتصادية المسيطرة على السوق.
تكاليف الزراعة والتصنيع
أما بالنسبة لتكاليف تصنيع منتجات الوردة فقال أيوب بأنها مكلفة إن كان لناحية مستلزمات الإنتاج ولاسيما الآلات المرتفعة الثمن ومواد الطاقة وعشوائية الإنتاج الذي يصل دفعة واحدة ويحتاج لتصنيع في فترة قصيرة وهو الأمر الذي يصعب العمل علينا علماً بأن زراعة هذه الوردة هي زراعة ذات جدوى اقتصادية كبيرة حيث يصل إنتاج الدونم الواحد من الورد إلى نحو 300 كيلوغرام ولا تحتاج زراعة الوردة سوى لسقاية واحدة خلال فترة الصيف كما أن رعايتها تقتصر على التقليم وبعض الخدمات الثانوية الأخرى وهو ما يقل عن رعاية أي محصول آخر وهي ميزة تجعل من زراعتها مشجعة لاسيما أن باقي المحاصيل تحتاج للكثير من العناية والرعاية والتكاليف الإضافية مقارنة بالوردة التي تتضح جدوى زراعتها من خلال القيام بعملية ضرب حسابية لمتوسط إنتاج الدونم الواحد منها من الورد وبمتوسط أسعار مبيع الورد أو منتجاته وهي العملية التي تعطي ناتجاً ربما لا يعطيه أي محصول آخر ولاسيما إذا ما أخذنا بالاعتبار لتكاليف العناية والرعاية اللازمة للوردة والتي شرحناها سابقاً بعد الإشارة إلى العمر الطويل الذي تعيشه الوردة والذي يصل إلى نحو 1000 عام كما في بعض الأشجار الموجودة في منطقة الحراج بريف دمشق.
فرص ومزايا
وفيما أشار أيوب إلى بعض أسعار المنتجات مثل الماورد الذي يصل سعر ليتره إلى 3000 ليرة وزيت الورد الذي يصل إلى 23 ألف دولار كما أسلفنا فقد بيّن أن منتجات هذه الوردة كثيرة وذات أسعار جيدة مبيناً أن المشكلة التي نعاني منها هي مشكلة التسويق وتنظيم السوق بالشكل الذي يتناسب مع إمكانيات هذه الوردة التي يمكن أن تكون زراعة منافسة وذات جدوى اقتصادية كبيرة إن أحسنا استثمارها بالشكل المطلوب الذي يمكن أن يجعلها فرصة لنا ولاسيما وأن ما يملكه من المزايا (المناخ والتربة والمياه ودرجة الحرارة المناسبة واليد العاملة) لا تملكه الدول المنافسة لنا في مجالها داعياً إلى إيلاء المزيد من الاهتمام للقضايا الملحقة بالعملية التسويقية ولاسيما إقامة المخابر المختصة للقضاء على أشكال الغش التي يمارسها البعض ممن يعملون في مجال الوردة والذين ينافسون بأسعار مبيعاتهم المغشوشة المنتجين الملتزمين ويؤثرون على استمرارهم في السوق.
مع لفتة في هذا المجال إلى ضرورة إلزام المخابر الموجودة حالياً بالشروط المطلوبة لعملها ولاسيما أن الغش وصل إلى بعض هذه المخابر من خلال إعطائها نتائجاً غير حقيقية للمنتجات المغشوشة مقابل ثمن مدفوع لها وللأسف كما وشدد أيوب على ضرورة إقامة جمعية في الساحل تنظم أمور المنتجين وترعى مصالحهم وتدافع عنهم وتمنع استغلال التجار لهم مؤكداً أن الوردة ومنتجاتها ثروة حقيقية ويمكن أن تعطى عوائد تعوض عن النقص وذلك نظراً لما توفره من عوائد مادية مقارنة بباقي المنتجات الأخرى مشدداً كذلك على ضرورة إدخال منتجات الوردة من الصناعة لما يمكن أن يعطيه ذلك من قيم مضافة تزيد من عوائد تلك الوردة السورية بامتياز.
نعمان أصلان