الوحدة : 17-5-2020
بحث يحمل في طياته الكثير من الفاعلية والفائدة، تبلور هذا البحث في رسالة ماجستير من إعداد مريم نبيل عدره حمل العنوان (المستخلصات العضوية لبعض البكتيريا البحرية واختبار نشاطها الحيوي)، بإشراف الدكتور بدر العلي اختصاص أحياء دقيقة حيث أشرف على الشق الميكروبيولوجي من زراعة وعزل وتحديد هوية العزلات البكتيرية البحرية والوصول لأفضل طرق التنمية والإنتاج البكتيري، والدكتور أحمد قره علي اختصاصه كيمياء تحليلية حيث أشرف على الشق الكيميائي من استخلاص للعينات البكتيرية وتحليلها بتفانة الكروماتوغرافية الغازية (GC-MS) التي حددت لنا المركبات الفعالة الموجودة في تلك العينات لاستخلاصها في وقت لاحق وأجريت مجموعة من الاختبارات البيولوجية على بكتيريا ممرضة عزلت من عينات لمرضى في مشفى تشرين الجامعي وسجلت فعاليتها وتمت مقارنتها بصادات حيوية مستخدمة لمعالجة الأمراض التي تسببها هذه البكتيريا الممرضة، وكانت النتائج مرضية ومهمة جداً حيث تم تحديد عدد كبير من المركبات مع تحديد فعاليتها الحيوية مخبرياً حيث سجل فعالية ضد كثير من الأنواع البكتيرية الممرضة ومضادات فطرية، مضادات فيروسية، مضادات أورام، مضادات سكرية، مضادات أكسدة وسرطان كما سجلت فعاليتها كمضادات تحسس.
وسجلت مقالة بهذا الشأن لمستخلص واحد من العينات المدروسة في مجلة خارجية باللغة الانكليزية (International journal of scientific research in biologicalsciences ) تحت عنوان (GC-MS analysis of bioactive compounds in methanolic extract of marine Enterobacter cloacae) ومقالتان عربيتان قيد النشر في كل من مجلة جامعة طرطوس ومجلة جامعة تشرين.
التقينا الباحثة مريم عدره لنقف عند تفاصيل بحثها قائلة: بدأت قصة المنتجات الطبيعية النشطة بيولوجياً منذ أكثر من 100 عام، وتعرف بأنها المركبات الكيميائية المعزولة أو المستمدة من الطبيعة، أي من الكائنات الحية مثل النباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة، حيث يمكن اشتقاق هذه المركبات من التمثيل الغذائي الأولي أو الثانوي لهذه الكائنات الحية.
ونظراً للتنوع الكيميائي للمنتجات الطبيعية وأنشطتها المختلفة ضد الأمراض، فقد لعبت دوراً مهماً في البحوث الصيدلانية والزراعية منذ القدم، وترتبط كيمياء المنتجات الطبيعية بطريقة العزل والتركيب الحيوي وتوضيح هيكل المنتجات الجديدة التي تؤدي إلى عوامل حماية طبية ومنتجات جديدة.
إذ قدرت منظمة الصحة العالمية (WHO) أن 80 ٪ من سكان الأرض يعتمدون بشكل رئيسي على الأدوية التقليدية لرعايتهم الصحية، كما كانت النباتات هي الجذور الأساسية للطب التقليدي الذي كان موجوداً منذ آلاف السنين بدءاً من السجلات الأولى حوالي 2600 قبل الميلاد, وبعض هذه النباتات لا تزال تستخدم حتى اليوم لعلاج بعض الأمراض بدءاً من السعال ونزلات البرد إلى الالتهابات الطفيلية والجرثومية، ومنذ اكتشاف البنسلين (البنسلين G ، 1) في عام 1928، أظهرت الدراسات المكثفة بشكل رئيسي على البكتيريا والفطريات المشتقة من التربة، أن الكائنات الحية الدقيقة هي مصدر غني للمواد النشطة بيولوجياً الفريدة من نوعها، حيث يمثل البنسلين أول مضاد حيوي في تاريخ المنتجات الطبيعية من الكائنات الحية الدقيقة على الرغم من أن حمض الميكوفينوليك تم تحديده في نهاية القرن التاسع عشر بواسطة بارتولوميو غوسيو.
وبما أن تطور علم العقاقير قد قام أساساً على استخدام المركبات والجزئيات الطبيعية سواء بشكل مباشر أم غير مباشر باستخدام أحياء أرضية، لذا في غضون الـ 35 عاماً الماضية اتجهت أنظار الباحثين إلى البحار كونها تحتوي مخزوناً هائلاً من الأحياء التي يمكن أن تكون مصدراً واعداً لأدوية فعالة جديدة، لذا تم توسيع البحث عن كيمياء جديدة ليشمل عالمًا من التنوع البيولوجي البحري الرائع، وكانت النباتات واللافقاريات أول الكائنات البحرية التي تم التحقق من إنتاجها للمستقلبات الثانوية، وفي عام 1951 ، تم عزل أول المنتجات الطبيعية البحرية من أحد الإسفنجيات البحرية والتي وجهت بذلك الأنظار إلى البحار كمصدر واعد ومتجدد للكثير من المركبات الفعالة، لكن التلوث الحاصل حالياً في الكثير من البحار أدى لفقدان وندرة الكثير من الأنواع غير المتحملة للظروف القاسية (كالمرجان وبلح البحر), حيث لهما أهمية بالغة في الكثير من المجالات الطبية (بدائل عظمية) والدوائية (صادات ومضادات أكسدة)، كما سبب إجهاداً لبقية الكائنات (الكائنات المتحملة) التي أبدت ردود أفعال مختلفة تجاه هذه الظروف, كإنتاج مواد لها دور هام جداً في مساعدة الكائنات عموماً والخلايا البكتيرية خصوصاً في مقاومة الظروف القاسية والمشكلات البيئية المختلفة كما تبين مخبرياً أن لها العديد من الخواص المميزة كنشاطها المضاد للبكتيريا، ومكافحة الملاريا والفطريات كما أن لها دوراً وقائياً كمضاد للأكسدة إضافةً لدخولها في عالم مستحضرات التجميل، أدى ذلك إلى توجه الأنظار حالياً إليها، وبدأت الأبحاث تزداد يوماً بعد يوم حيث تم تحديد عدد كبير من المواد المستخلصة من البكتيريا البحرية حتى الآن، كما بدأت الشركات العالمية في إنتاج عقاقير من هذه المركبات وإدخالها إلى السوق وعلى الرغم من أن المركبات الطبيعية قد لا تكون فعالة مثل المركبات الكيميائية، لكنها أقل خطراً على البيئة، وقابلة للتحلل، وتظهر درجة عالية من الخصوصية.
وبالنسبة لسورية هناك بعض الدراسات التي تهتم باستخلاص مركبات من الكائنات البحرية (قاعيات، فقاريات، رخويات…) وتطبيقها علاجياً، وتم تطبيق أغلب هذه الأبحاث في المعهد العالي للبحوث البحرية ومن قبل فرقه البحثية، ونظراً لندرة الأبحاث حول البكتيريا البحرية ومركباتها الفعالة، فقد وجدنا من الأهمية بدء العمل في هذا المجال كونه موضوعاً هاماً وحديثاً، وكون التحكم بالبكتيريا أسهل من التعامل مع الكائنات الأكبر حجماً ودورة حياتها أقصر ويمكن التحكم بكمية البكتيريا المنتجة للوصول للحجم والكمية المناسبة للحصول على الكمية المرادة للمستخلصات والمواد الفعالة.
أما التوصيات المقترحة في هذا البحث جاءت كالتالي:
– متابعة البحث عن البكتيريا البحرية الموجودة في السواحل السورية التي من الممكن أن تكون ذات أهمية طبية ملحوظة.
– التوسع بالدراسة الكيميائية للأنواع الهامة طبياً.
– استثمار واستخلاص المركبات الفعالة لتكون بديلة للصادات الحيوية، في علاج بعض الانتانات الجرثومية والفطريات الممرضة في المستقبل.
– الاستمرار في المرحلة الثانية في هذا المجال ودراسة المركبات المضادة للأكسدة والسامة للخلايا السرطانية نظراً لما تم كشفه من مركبات ذات أهمية كبيرة في هذا المجال من قبل الفريق البحثي آملين متابعة العمل في هذا المجال في مرحلة الدكتوراه.
نور محمد حاتم