الوحدة : 12-5-2020
وجهت وزارة النفط والثروة المعدنية صفعة قوية لآلاف المواطنين السوريين عندما قرصنت مخصصاتهم من البنزين المدعوم في ليلة رمضانية مقمرة.
لم تعط الوزارة المعنية المواطن أي فرصة لترتيب أوراقه، واستدراك أموره تماشياً مع حيثيات القرار الجديد، فجاء الفرمان الوزاري على شكل عقوبة جماعية، لا شفيع لمرتكبها.
ما هكذا تورد الإبل، وما اعتدنا أن نرى قرارات تصدر بطريقة الحشر في الزاوية، وتضييق الخناق بهذا الشكل المريب.
قبل أن نشرع في تفصيل هذا القرار الأعرج، لا بد من التنويه إلى أننا في هذه الجريدة كنا ومازلنا من أكثر المؤيدين للبطاقة (الذكية) لجهة أهدافها، ولكننا سجلنا جملة من الملاحظات على طريقة إدارتها، وحملنا العنصر البشري مسؤولية الثغرات التي تظهر أثناء التطبيق، فنحن نؤمن بالمطلق أن الدعم يصل في كثير من الأحيان إلى غير مستحقيه، ونؤيد بشدة إعادة تصويب هذا الدعم، ولكن ما حصل بالأمس لا يشبه تصرفات الجهات الحكومية، ولا يقارب نهج الدولة الأبوي مع مواطنيها، فأقل ما توقعناه أن يعطى الناس مهلة قصيرة للتكيف مع القرار، لا أن (تخطف الكباية من راس الماعون).
القرار الجديد منع البنزين المدعوم عن مالكي السيارات من فئة ال٢٠٠٠cc، على اعتبار أن من يملك سيارة بحجم محرك كبير، يكون طرداً ممن يتمتعون بملاءة مالية جيدة، ولا يستحقون الدعم المقدم على المادة، وهنا وقعت الوزارة في خطأ بالتقدير، إذ لا يعتبر حجم محرك السيارات دليلاً على قوة صاحبها مالياً، فكثير من الشركات العالمية الكبيرة تحاول في السنوات الأخيرة إنتاج سيارات فاخرة بمحركات أقل ضخامة، ولكن فعاليتها كبيرة، حيث اتجه العالم المتقدم في العقود الأخيرة إلى نظرية توفير الطاقة عملاً بالمتغيرات التي تحكم أسواق النفط والغاز، ولا شك بأن فرضية وزارة النفط غير صحيحة بالمطلق، وليس بالضرورة أن يكون صاحب السيارة التي تمتلك محركاً كبيراً ممن لا يستحقون الدعم، وقد شاهدنا حالات كثيرة على وسائل التواصل تؤكد أن مئات من المواطنين اشتروا سيارات قديمة ذات محركات كبيرة، لعدم قدرتهم على شراء سيارة حديثة، فأصبحوا مذنبين أمام القرار الجديد، ولسان حالهم يقول: لقد حرمتمونا من البنزين المدعوم، وفوتّم علينا فرصة بيع سياراتنا، لأن أحداً لن يشتري بعد اليوم سيارة من دون وقود مدعوم.
الفقرة الثانية من القرار حرمت من يملك أكثر من سيارة -مهما كان حجم محركها- من (التنعم) بالبنزين المدعوم، واعتبر القرار هؤلاء أغنياء، وليسوا بحاجة إلى دعم دولتهم، وهذه الفرضية أقسى من سابقتها، لماذا؟.
يعرف السيد الوزير واللجنة الاقتصادية صاحبة اقتراح فض الاشتباك مع البنزين المدعوم، يعرفون جميعاً أن البيع عن طريق الوكالة هو عمل قانوني ومشروع في بلدنا، ويعرفون أن أغلب البائعين للسيارات يفوضون الشاري عبر وكالة غير قابلة للعزل، وقد تستمر الوكالة مع صاحبها لأشهر وربما سنوات، ولا يوجد أي مانع قانوني لهذا العمل، ففي القانون تصبح السيارة أو المركبة ملكاً للشاري بعد إتمام الوكالة، ولكنها تبقى في مديرية النقل باسم المالك الأول إلى حين إجراء عملية الفراغ من قبل الشاري، وهنا لا يستطيع البائع إجبار الشاري على فراغ المركبة، وقد لا يلتقيه مرة ثانية بعد إتمام عملية البيع والوكالة، وهذه الأمور كانت تجري بشكل اعتيادي مئات بل آلاف المرات قبل البطاقة الذكية وبعدها.
اليوم، وبعد إحداث البطاقة الذكية، قد تبقى هذه البطاقة باسم المالك الأول حتى لو باع سيارته، فشركة تكامل كانت تتعامل مع رقم السيارة والهيكل واسم المالك عندما يحصل على البطاقة، وعندما تنتقل ملكية السيارة لم تكن مديريات النقل تتراسل مع تكامل لتغيير اسم المالك، فتصبح السيارة باسم المالك الجديد، وتبقى البطاقة باسم المالك القديم إن لم يقدم هو على زيارة مركز تكامل لتعديل الاسم، وهذه الحالات لا تعد ولا تحصى، ومازالت قائمة بكثرة حتى يومنا هذا، مما يجعل البائع أمام بطاقة باسمه وأخرى قد يحصل عليها في حال شرائه لسيارة جديدة، وبالتالي فقد حرم من البنزين المدعوم ظلماً، لأنه بحسب النص الجديد يمتلك بطاقتين على اسمه، وهذا الأمر يحرمه من الدعم.
ولو سألتم، لماذا لم يصحح الشخص المتضرر بياناته، سنقول لكم: لأنه لم يتوقع منكم هذه المفاجأة (السعيدة)، ولم يظن أن حكومته ستتخذ قراراً أشبه بالقنص في ليلة مظلمة، ولأنه لم يكن هناك مديرية نقل تعمل في الشهرين الماضيين، ولم تكن مراكز تكامل على أهبة الاستعداد لاستقباله إبان جائحة كورونا، فلماذا استعجلتم وضاق عليكم الوقت فجأة؟، ألم يكن من الحكمة أن تعطوا المتضرر من القرار فرصة لتصحيح بياناته؟، أليس من الظلم أن يحاكم المتهم من دون السماح له بتقديم دفوعه؟، أم أن اقتصادنا الوطني سيهتز إن انتظرنا أسبوعاً على الأكثر؟.. غريب أمركم، بل عجيب.
عندما سئل وزير النفط عمن يملك سيارتين عمومي إن كان ينطبق عليه القرار، ارتبك السيد الوزير وقال بعد نفس طويل (بتصرف): القرار لم يشمل السيارات العمومية كي لا ينعكس الأمر على أجور التكاسي.
وهنا يجب أن نسأل السيد الوزير: لماذا افترض القرار أن من يمتلك سيارتين خاصتين هو من الميسورين، بغض النظر عن حجمها ونوعهما، ولم يعتبر من يمتلك سيارتين عامتين تعملان بالأجرة من الميسورين أيضاً،علما أن صاحب السيارة الخاصة قد يكون موظفاً بسيطاً لا يجني من وراء سيارته أي فائدة سوى الذهاب والعودة إلى وظيفته، في حين قد يجني مالك السيارات العامة عشرات الآلاف من ورائها!!.
في الختام لا بد أن ننوه إلى أن القرارات المسلوقة غالباً ما تكون غير عادلة، ولا بد من التأني قبل إصدار الأحكام النهائية، ولا ضير إن جمدتم هذا القرار لأيام معدودات، حتى يتاح للمتضرر التقاط أنفاسه، وتصحيح ما يمكن تصحيحه، ولا نخفيكم سراً أن المفاجأة الكبرى كانت بإصدار القرار عشية عودة آلاف الموظفين إلى مؤسساتهم، وفي ظل حاجتهم الماسة لملء خزانات سياراتهم من وقودكم المدعوم.
غيث حسن