الوحدة : 30-4-2020
حتى وإن كنتَ لا تجيد السباحة، فإنك عندما تكون على تخوم الغرق لابد لك إلا أن تحاول النجاة، فتضرب بيديك ورجليك الماء حولك، علّ محاولة ما تقذفك إلى شاطئ الأمان…
قبل كورونا (وقد اتفقنا أنه يجب أن يكون ما بعده مختلفاً) كنا نسلّم بأن ما نعيشه هو الناتج (الأمثل) للإمكانيات المتاحة وأن كل ما يقدّم لنا من خبز وماء وكهرباء هو السقف الأعلى لما يُمكن تقديمه..
نعرف من خلال ثقافة زوجاتنا (البيتية) أن كل ربّة منزل تقريباً ستخبئ ولو (جناحاً) من الفروج الذي أتى به الرجل، وفي المرة الثانية تخبئ (فخذاً) وهكذا ليكتمل (الكيس) في الثلاجة بوجبة احتياطية تعلن من خلالها براعتها في الإدارة المنزلية عندما يحل وباء آخر الشهر ويعجز الرجل عن شراء كيلو بطاطا، فتأتيه الزوجة بابتسامتها (لا تشيل هم)!
على العكس تماماً من هذه (الثقافة) عشنا حوالي شهرين، اكتشفنا خلالهما أن المؤسسات والقطاعات الخدمية كانت تقدم لنا (جناحاً) وتخبئ بقية الفروج إلى أن فرضت عليها ظروف وباء كورونا فتح برادها على الآخر..
هنا من حقنا كمواطنين أن نستغرب وأن نزعل (ولا أعرف إن كان لزعلنا قيمة) وأن نسأل: طالما كنا قادرين على إنجاز الخدمات بهذه الكيفية المطلوبة لماذا لم نفعل ذلك؟ والسؤال الأهم: هل سنعود إلى ما كنا عليه قبل الاحتراز من كورونا؟ هل ستعود جبال القمامة لتعطّر نهاراتنا كما كان عليه المشهد قبل شهر ونيّف؟
ربما كلفت هذه الإجراءات مبالغ طائلة، وبالتالي القول بأن الاستمرار فيها سيضع خزينة الدولة في موقف حرج.. قد يكون هذا الكلام صحيحاً من حيث الشكل، لكن (وهذه ليست مهمتنا) إذا ما أردنا القياس الحقيقي فهل سنصل إلى ذات النتيجة؟
سنكتفي بمثال بسيط: لنحسب ما كلفته إجراءات النظافة العامة (الإضافية) خلال هذه الفترة ولنحسب الوفر الذي تحقق في المشافي والمراكز الصحية ونستنتج بالرقم أيهما الأنسب..
تراكم التجارب يجب أن يوّلد الحلول ويعزز حضورها، وإذا ما استطعنا ضبط المقدمات ستفرحنا النتائج حتماً..
المرة الوحيدة التي اشترينا فيها البطاطا في 2020 بـ 350 ليرة كانت عندما بادرت محافظة اللاذقية إلى استجرار كميات من هذه السلعة من مكان الإنتاج إلى المستهلك مباشرة لكنها لم تتكرر!
هل أصاب هذا الإجراء الإيجابي أصحاب المعالي (التجار) بضرر فلم يستمروا به ولم ينتجوا حلولاً على طريقته؟
عندما يكون المواطن طرفاً في أي معادلة لماذا تكون النتيجة ضده باستمرار مهما صرحوا ومهما أبدوا من (تعاطف) معه؟
سأفكر بطريقة إنسان جشع، وسأفترض أني أنتج البطاطا وأرى أن سعرها في أوج إنتاجها مرتفع، فسأتوقع أن يتضاعف سعرها خلال شهر أو شهرين، فأضع القسم الأكبر من إنتاجي إن لم يكن كله في البرادات، وعندما تتحول مساحات سهل عكار مثلاً إلى لوحة سوداء معلنة انتهاء المواسم فيها أطرح إنتاجي في السوق محققاً أرباحاً إضافية.
ماذا لو تم منع (تبريد البطاطا) وإغراق السوق بها، ألن يرتاح المستهلك قليلاً، وعندما ينتهي موسمها المحلي نستوردها بكميات كبيرة تحافظ على استقرار أسعارها في السوق؟
نتمنى ألا يعتقد مزارعو البطاطا أننا نستكثر عليهم هامش ربح ما، بل على العكس نسعى معهم لزيادة هذا الهامش لأنه لولا الإنتاج الزراعي لكنّا في واقع أكثر سوءاً، ولكن نقصد هنا حلقات وسيطة تشتري البطاطا (مثالنا) وتخزنها لوقت ما، مما يرفع سعرها على المستهلك الآن ولاحقاً..
في كل دوائر الدولة هناك أعداد مضاعفة من الموظفين والعمال، فلماذا لا نوسع عمل (السورية للتجارة) بعد رفدها بأعداد زائدة من الموظفين ونخصص لها منافذ بيع إضافية وتكون هي التاجر المعني بتوفير حاجات الاستهلاك اليومي للمواطن بسعر مدعوم (من المنتج إلى المستهلك)، وبكميات كافية ومستمرة؟
ولأننا عرّجنا على (السورية للتجارة) هل ستستمر بسياراتها الجوّالة وتزيد عددها أم ستعود حليمة إلى عادتها القديمة؟
الخبز.. في اللاذقية تحديداً، فإن طريقة توفيره خلال فترة الحجر الصحي أفضل بكثير من الازدحام على الأفران فهل سنستمر أيضاً أم سنعود إلى (شنططة) أيام زمان؟
بالطبع لن نحيط بكل التفاصيل، ولكن ما أتينا عليه من أمثلة واضحة يمكن البناء عليه.
حرام أن نخسر تجربة دفعنا الكثير من أجل إنجاحها، وحرام أن يبقى رغيف الخبز وكيلو البطاطا أو البندورة هماً يومياً.. بإمكاننا أن نقدم خدمات مقبولة ودون تكاليف كبيرة تريح المواطن وتعطيه الفرصة للتفكير الإيجابي فيما يخص مستقبله ومستقبل بلده…
على فكرة، البرغش بدأ يداهم نوافذنا والرش الفعّال يجب أن يكون أكثر انتشاراً وديمومية..
غانم محمد