أوان الاعتراف…

الوحدة : 28-4-2020

تتحالف الآلام الخاصة والعامة فجأة ومن دون مقدمات حتى ترديك متهالكاً فوق أرصفة الزمان المهمشة تنزف آهات توجعك بصمت وصبر وأنت تراقب طيفاً من دمائك يتلوى بطيئاً بين تعرجات الحجارة الباهتة  معلناً أوان الاعتراف.

تسحب جسدك بصعوبة لتسند ظهرك إلى جدار  قريب وتستلم لاعترافاتك  المتزاحمة أمام بوابة الصراخ المؤجل فتخرج صاعدة نحو المدى يتردد صداها في الفضاء ثم يغيب مثل ومضة عابرة تعترف بأنك أضعت الكثير من الفرص لتتحول إلى رجل غني مثل الكثيرين ممن تعرفهم لكنك فضلت الرهان على المبادئ.

 تعترف بأنك كافحت وناضلت حتى استطعت ولوج مداخل العلم والمعرفة ولم تحصد  سوى  الإحباط واليأس فيما ينعم غيرك من أشباه الأميين بترف العيش وراحة البال.

تعترف  بأن رهانك على تغيير المستقبل كان مجرد رهان على أحصنة خاسرة تعترف بأن منارات الحب الموزعة على شواطئ الحياة بدأت تنطفئ واحدة تلو الأخرى وتحل محلها عتمة الحقد والخوف والكراهية تعترف بأن الكلمة قد أدميت وراحت تتقهقر أمام فوهات البنادق والمتفجرات الطائشة وباتت أول الشهداء في عالم الرعب والبؤس والتحجر العقلي تعترف بأنك فقدت القدرة على الفرح بعد أن عشش الحزن في نقي العظم نتيجة الإحباطات المتكررة والتردي الممنهج.

 تعترف بأن حماستك واندفاعك للتغيير قوبلا باللامبالاة حيناً وبخلق المعوقات حيناً بل وبالحرب الخفية ضدك أحياناً أخرى.

تعترف بأنك ركبت العربة المحاصرة في قطار الزمان الذي تخترق العواصف العاتية والأماكن الملغومة وتطارده  عصابات قطاع الطرق والقراصنة المحترفين من الجانبين.

 تعترف بأنك جزء من البشر الذين يدمرون الأرض ويجلبون الويلات لكائناتها الحية يفتكون ببعضهم بعضاً خفية وعلناً ويبتكرون  حروباً من أنماط جديدة تأخذ أشكال الأمراض الوبائية مثل الإيدز والسارس وجنون البقر وانفلونزا الطيور والكورونا والقادم أعظم.

 تعترف بأن موازين القوى مختلفة في المعركة التي تخوضها فأنت لا تمتلك سوى قلم لم يجف صبره بينما يلوح الآخرون بأسلحتهم الآلية واستباحة الدماء  تعترف بأنك على الرغم من اعترافاتك كلها لن تتراجع عما بدأته وسوف تكتمل المشوار حتى النفس الأخير لأنك لابد أن تجد منارة مضيئة لا تنطفئ على شواطئ العتمة الموحشة.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار