عدن.. ربات بيوت على الأصول

الوحدة : 27-4-2020

كانت قد أوكلت لنفسها كل المهام والمسؤوليات في البيت وخارجه، وزادت عليها حمولتها، ولم يعد لها لتنظيف البيت وتعزيله سبيلاً غير أن تأتي ببنات جنسها لتعينها عليه وتملأ مكانها في شغل البيت، أما وقد أعفيت اليوم منها جميعاً وعلقت بالبيت ولم يعد في وجهها غير أربعة حيطان عادت (نفنافة ) تحوك وتحوص مثل المكوك ليكون (البيت عم يضوي ضوي) ورجلها الذي تعجبه صورة جدته نفنافة يشدو ويردد (نفنافة شو هالنضافة وشو هاللطافة) وقد تخلت عن الخادمة وعاملة التنظيف التي تواظب المجيء إليها كل يوم أو أسبوع، وبدأت التعزيل وحملة التنظيف لبيتها من بابه لمحرابه لتكون جاهزة لاستقبال أي أحد كان قريب أو بعيد  في رمضان وبعده العيد، فما إن تفتح الباب حتى تهب نسائم النظافة والديتول والمعقمات في أنفك فتعطس وتقول (يا سلام وما أحلاك بالبيت) فهل هن راضيات أم من أشغال البيت مستاءات؟ وما رأي سكان بيتها الزوج والأولاد؟

– السيدة خولة، مهندسة قالت: ليس من الأفضل الجلوس في البيت كل الوقت، لكن ليس باليد حيلة، فكان ما لم يكن بالحسبان وعلقنا بالبيت ولم يكن أمامي في ساعات الملل أو فوضى الأولاد غير أن أفش خلقي بحملة تنظيف، يوماً في غرفة الأولاد ويوماً آخر في المطبخ وغيره لغسل السجاد، وهذا كله لم أقم به منذ أكثر من عشر سنوات، فقد كانت تأتي سيدة بعمر الأربعين أرملة تسكن بالآجار في الدعتور تساعدني على تنظيف البيت كل يومين أو أسبوع حسب الحاجة وتأخذ كل مرة ثلاثة آلاف وبعض المأكولات لولديها الصغيرين، أما السجاد والستائر فأبعثها للمصبغة لأدفع فوق العشرة آلاف غير نقلها وتوصيلها، تضحك وتكمل حديثها: زوجي سعيد ويردد علي قوله: لقد وفرت راتبك هذا الشهر ماذا ستفعلين به؟، حتى أنه ساعدني في تنظيف السجاد هو والأولاد الذين جعلوا فيه التسلية والألعاب الجماعية فكانوا يحضرون الماء ليرشقهم والدهم به ويتزحلقون كالجراء بعد أن وضعت على سطحه الصابون، ويدحرجهم ويلفهم به، لقد كان يوماً متعباً لي لكنه بالنسبة لهم كان يوماً مميزاً لن ينسوه وقد طلبوا مني أن يكون كرنفالاً في كل عام.

الطفل كريم أشار بأنه فرح جداً بأمه لأنها تجلس اليوم بجانبه في البيت، تطبخ له كل ما يحبه وتنظف البيت وترتب غرفته، فهو لم يعتد أن يراها إلا وقت الغداء وبعد التاسعة مساء وتكون منهكة ولا متسع من الوقت له في جدولها، لكن (الخادمة أم سعيد) تأتي كل صباح لتنظف البيت وتطبخ وتقدم له الوجبات وكل طلباته أوامر إلى أن تأتي والدته من العيادة.

– السيد أكثم مريم قال: زوجتي عندها وسواس النظافة ليس اليوم فقط بل من زمان ومن يوم تزوجتها، وأكره نفسي ونتشاجر كل يوم على (اشلح بوطك برا البيت، لا تلمس شي قبل ما تغسل إيدك ..) حتى أنها كانت تغسل مفتاح الجرس عندما يطرق بابنا (شحاد) وفي أحد المرات بعد أن غسلته بالماء والصابون تعرض ابني  لصدمة كهربائية عندما حاول أن يرن جرس البيت عند عودته من المدرسة، كما أن ابن أخي تشوه وجهه من جراء ارتطامه بزجاج الألمنيوم وهو يحاول الخروج للبلكون بعد أن ظنه مفتوحاً أمامه وهو قد مسح ولمع ولم ينتبه لذلك، ويا ويلنا اليوم التنظيف وراءنا وأمامنا وممنوع علينا أن نأتي بأي حركة إن كانت تمسح الأرضيات، ولديها قوانين صارمة في البيت الحذاء عند الباب الخارجي غسل اليدين (ع الطالعة والنازلة) والأكل في المطبخ ولكل واحد منشفته ولا يجوز أن تحرك غرضاً من مكانه، وإذا ما زارنا أحدهم لقي من التعليمات والتوجيهات ما لم يلقاه في صف أو مدرسة كل حياته لهذا هم قليلون من يطرقون بابنا ويزورونا، حتى الأولاد أظنهم مثلي صار عندهم وسواس قهر بسبب وسواس أمهم في النظافة.

– أم مرتضى قالت: أعمل في البيوت أنظف واجهاتها وأغسل السجاد، حتى أني أطبخ لسكانها إذا ما سألتني سيداتها عندها لمت نفسي لكنها لم تدعني في شر سؤالي وتابعت تقول (شو رماك ع المر غير الأمر) والحمد لله مستورة وأفضل من أن أكنس الشوارع ويراني جميع الناس أو أشطف وأمسح في المؤسسات والمستشفيات، أظن عملي أفضل في البيوت المستورة، حتى أن بعضهم يعطيني بعض الأطعمة وأرغفة خبز والمردود جيد ويسد حاجة عائلتي، لكن اليوم خف عملي وتدهورت حالي فكلهن يقمن بكل أعمال بيوتهن وقد استغنين عن خدماتي وحتى أظنه خوفاً مني، ولا أعرف متى سأعود لعملي، اليوم عدت لتنظيف بيتي بعد أن أهملته لسنين من تعبي وشقائي طيلة الأيام في تنظيف بيوت الآخرين،  الله يفرجها.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار