الوحدة 24-4-2020
يأتي وزير أو مدير عام ويجول على المديريات أو الفروع التابعة لهذه الوزارة أو تلك الإدارة، ويحشد لجولته تغطية إعلامية (مبهّرة) في بعض الأحيان، ويغرق صفحات التواصل الاجتماعي بصوره وهو يبتسم هنا، ويسلّم على عامل هناك…
نظرياً فإن هذا العمل مطلوب، وأيضاً الكلام الذي يقوله (المسؤول) خلال جولته معسول، ويعتقد من يسمعه للوهلة الأولى أنه سيقلب الواقع رأساً على عقب، لكن تبقى هذه الجولات (بروتوكولية)، وتبقى تلك التصريحات مسكنات لأن الواقع يبقى على حاله معظم الأحيان، إذاً لماذا هذه الجولات، ولماذا (تكاليفها)، وهل يتابع هذا المسؤول لاحقاً نتائج جولته أم يكفيه أنّه قام بها و(خلاص)؟
ما نتابعه من خلال تغطيتنا لمثل هذه الجولات أنّ من يقوم بـ (الجولة) يبدي استغرابه معظم الأحيان من الواقع الذي يراه أمامه، وكأنه غريب عن كلّ التفاصيل، وهذا يشير إلى احتمالين لا ثالث لهما: إما أن هذا الفرع أو المديرية ليست على باله، ولم يسأل عن أمورها سابقاً، والاحتمال الثاني أن التقارير التي تُرفع له عن المديرية (مضللة) الأمر الذي أوصله للدهشة من الواقع، ونستطيع أن نقنع أنفسنا أن الدهشة مبررة إن كانت هذه الزيارة هي الأولى لذاك المسؤول، ولكن عندما يعيد الزيارة ويرى الواقع هو نفسه، والمدير هو نفسه، والشكوى هي نفسها، هل يحقّ لنا هنا أن نستنتج أم نترك الأمر لخيال القارئ أن يستنتج فيجنّبنا عواقب تحليلنا؟
هناك واقع قد يكون صعباً، والاعتراف به وبصعوبته أفضل بكثير من نثر الوعود فوقه ما لم تمتلك هذه الوعود مقومات التنفيذ…
نتحدث بالعموم، ولا يقتصر الأمر على مكان دون غيره، وأوان التقييم الحقيقي لأداء المديريات والمؤسسات والشركات حان، شرط أن يكون هذا التقييم موضوعياً آخذاً بالاعتبار الصلاحيات الممنوحة والإمكانيات المادية الموضوعة، وخاصة في الجهات ذات الطابع الخدمي والتي هي على تماس مباشر مع المواطنين، فإن لم يتغيّر الواقع فعلى الأقلّ نغيّر من لم يحاول التغيير..
المواطن، أي مواطن، يعرف (البير وغطاه)، ويعي أننا تحت ضغط أقذر حرب تتعرض لها بلادنا الصامدة المنتصرة على الإرهاب بإذن الله، والكل يعي أيضاً أن الأولوية هي لتدعيم الصمود ومجابهة الإرهاب الذي يواصل اندحاره وتقهقره، ولكن يعلم أيضاً أننا بدأنا مرحلة إعادة الإعمار، ورصدت لهذه المرحلة الاعتمادات المطلوبة، ولا نريد أكثر من حسن توظيف ما تمّ رصده لهذه المرحلة..
الجولات الميدانية هي التي تعطي الصورة الحقيقية، والتي من خلالها يكون التقييم كما أسلفنا، وبالتالي إما تعزيز الجهود الصادقة المبذولة في جبهات الإعمار أو محاسبة المتقاعسين في زمن نحتاج فيه لجهد أي غيور..
بلدنا أمانة في رقبتنا، ولا أحد يستخفّ بدوره، وكلّ شخص من موقعه قادر أن يساهم في عملية البناء، والتي ترتكز على ثلاث دعائم: التخطيط، التنفيذ، التقييم، وإذا ما أخلصنا التفكير في هذه الدعائم الثلاث فإن النتائج ستكون إيجابية، أما (تمريق الخطأ) في أيّ منها، فسيتحول هذا الخطأ إلى (أساس) يُبنى عليه، ولكم أن تقدروا متانة البناء!
ولأنه لا يوجد شيء مطلق، فإن الخوف من انتشار وباء كورونا أوجد قاعدة تفاؤل لدى البعض بمدى قدرتنا على (الإنتاج الحقيقي)، فقد أنتجت هذه الظروف الاستثنائية والصعبة الكثير من الإيجابيات التي يجب أن نعزز استمرارها، وليس أقلّها أن تنتج الثانويات المهنية الكمامات الطبية، وأن ينتج شبابنا (المنفسة) أو جهاز التعقيم، وأن تستنفر دوائر الخدمات وتخرج من (نقّها) إلى التعامل الإيجابي مع الوضع الطارئ، وأن تخصص الحكومة مبالغ مالية لمكافأة من بذل جهداً إضافياً (كوادر طبية ورجال شرطة وغيرهم)، ولن يكون آخرها الاستجابة الطيبة للشعب السوري لإجراءات التي اتخذها الفريق الحكومي المعني بإدارة الإجراءات الاحترازية في مواجهة كورونا..
من الطبيعي أن نراجع هذه التفاصيل، وأن ندرس آليات تعاملنا معها، وأن نبني على ما هو إيجابي منها، ونعمل على تجاوز ما هو سلبي منها، وألا نستسلم لـ (إطراءات) أو ننام في نتائج ما حققناه، لأن أي شيء لا ندعمه ونعمل على استمراره وتقويته، سيتحول إلى تراكم في مستودع الذاكرة ليس إلا…
قادرون، والمستحيل ليس سورياً، والإدارة الناجحة قادرة على الإبداع والتميّز، وعندما يتميّز مدير عن آخر في نفس الوزارة مادياً ومعنوياً بسبب حسن إدارته فهذا مفيد للطرفين: للمتميز ليدعم تميّزه، وللمقصّر لمحاولة اللحاق بمن سبقه، أما أن تكون التعويضات نفسها، والمكافآت بذات القيمة، و… فحينها يتساوى الصالح بالطالح، وتغيب مقومات التحفيز، وليس عيباً أن تكون مكافأة عامل عادي أكبر من مكافأة مديره إن كان العمل المنجز يبرر ذلك.
قادرون، ولن يكون المستحيل سورياً في يوم من الأيام، وشعب واجه كل المعاناة، ودحرها بـ (النكتة وخفّة الدم) والصبر واختراع البدائل، سيكون قادراً على إدارة أي عمل مستقبلي بكفاءة عالية شرط أن يشعر بأنه شريك في هذا الأمر باحترام وأن يكون من يخاطبه شفافاً وقريباً منه.
غانم محمد