الوحدة: 18-4-2020
عندما يصل النقاش ضمن الأسرة إلى ضرورة جمع وجبتين بواحدة, فهذا يعني أن هذه الأسرة لا تعيش أوقاتاً جميلة…
وعندما تحضر المعاناة بما كنّا نعتبره (سلعة مجانية) مثل الخس أو النعناع, فهذا يقودنا إلى ضرورة مراجعة سلوكنا وثقافتنا وقياس المقدمات والنتائج بحثاً عن (سلام داخلي) مع ذواتنا قبل أن نصبح غرباء عنها…
بالعناوين العريضة فإن الجميع يشكو حتى لو لم يكن به وجع, ربما لأن الشكوى أصبحت لازمة يومية لمعظمنا, فمن لا يشكو من الضيق المادي يشكو من الضيق النفسي, كأن يشكو من عدم وجود مطعم خمس نجوم يقضي بين طاولاته نصف نهاره, ويستخف من شكواك أنت الذي لم يرجع لك معتمد الخبز (15) ليرة بحجة عدم وجود فراطة!!؟.
بعض المصرّح لهم بالتجوّل خلال فترة المنع يجدون متعة كبيرة في ممارسة هذا (الامتياز) حتى لو لم تكن هناك حاجة بهم لذلك..
معظمنا (عديمو جاه) لذلك نرى في هذه الصغائر ما يعوّض إحساسنا بـ (النقص)!
اللاذقية حبيبتنا, كنا نتغنى بزحمة الحياة فيها, الآن نتمنى أن تكون شوارعها وساحاتها خالية, والزحمة التي نراها اليوم تزعجنا… لا نريد لوجهها المدوّر كقمر أن يعكّره الحزن… صبراً يا معشوقتنا, فالربيع لن يرحل قبل أن تبثيه عطركِ وشذاك, والمراكب الباحثة عن فسحة في قلبك تسامر الموج، وترتل حكاياتك دون قلق, فمن سكب الله بعينيه حسنك سيخلصك الحب والعشق….
اشتقنا لـ (بسطة قهوة) وإلى بائع (غزل البنات) وإلى نهارات الجمال فوق خضرة المدينة الرياضية, لكننا ونحن الباحثين عنّا فيكِ ملتزمون بالوعد, ونزعل ممن يخترق الإجراءات الاحترازية ضد (كورونا) ولوكان الشوق إلى شوارعك دافعه..
أسمع كل إشارة ضوئية تسأل عن باصات النقل الداخلي, والمواقف تسأل عمن كان يكتظ عندها..
مرت الأيام الماضية ثقيلة, لكنها وضعتنا أمام أنفسنا, وأمام وعينا، بعضنا نجح في الاختبار، والبعض فشل، وبكل الأحوال فإن المشهد الرسمي في هذه الأيام كان جيداً إلى حدّ كبير, الأمر الذي يضع سؤالنا التالي قيد المتابعة والانتظار: هل سنستمر على هذه الدرجة من الاستنفار طالما أثبتنا قدرتنا على ذلك؟
الكثير من الجزر الخضراء في شوارع اللاذقية بحاجة إلى (جزّ) عشبها الذي طال كثيراً كما شعر رؤوسنا, فهنا غاب الحلاقون, وهناك انشغل عمال البلدية بما هو أهمّ من العشب, ولكن (العوجا والأكي دنيا) تؤكدان أن طقوسنا الجميلة باقية على حالها..
بعد السلام يأتي السؤال مباشرة: كيف أمور الحجر الصحي المنزلي معكم؟
نتصل مع مدير هنا وآخر هناك: هل وصلتكم أي توجيهات لتستعدوا للعودة إلى الحياة الطبيعية؟
لا… هو الجواب المكرر حتى الآن, والله يفرجها على الجميع.
غانم محمد