تشبه قصّة الحمضيات… البطاطا.. بين المنتج والمستهلك وحكاية كل عام إلغاء الحلقات الوسيطة يجب أن يكون برنامجاً وطنياً التدخّل الإيجابي (عدّل المزاج) فهل يمتد إلى الفروج والبيض؟

الوحدة : 8-4-2020

اتصل بي أحدهم من منتجي البطاطا في سهل عكار قائلاً: هل شبعتم بطاطا، المهم أن يرضى المستهلك، أما المزارع فآخر همّ الجميع!

من مصلحة المزارع أن يبقى خطّ التصدير لجميع المنتجات الزراعية مفتوحاً، وأن يوقف استيراد أي منتج زراعي فلاحنا ينتجه، ولا نقف بوجه هذه الأمنية أبداً، ولكن ثمة مشهد عام لا نستطيع إغفال أي لقطة منه، وكما نحرص على مصلحة المزارع فإنّ همّ المستهلك نعيشه ويجثم فوق كلّ لحظة من يومنا، والبحث عن حلول توافقية هو ما يهدينا الاستقرار والتوازن، إذ ليس من غير المقبول أبداً أن يكون سعر كيلو الليمون الحامض (1500) ليرة، وسعر كيلو البطاطا (900) ليرة قبل أن تنخفض أسعار البطاطا، ولئن كانت أسعار الليمون (مبررة) لأن الموسم في نهايته، والمادة المعروضة منه قليلة، فإن لا شيء كان يبرر الارتفاع الجنوني لأسعار البطاطا، خاصة مع علمنا وتحققنا أن هذا السعر (900 ليرة) لم يكن يدخل جيوب المزارعين الذين كانوا يبيعون البطاطا بـ (400) ليرة كحدّ أعلى!

من حيث المنطق والعقل، فإن المستهلكين عشرة أضعاف المنتجين أو أكثر، وبالتالي فمن الطبيعي أن يتجه التفكير نحو الشريحة الأوسع، ولا نعني هنا أن نتجاهل المنتج، وخاصة المنتج الزراعي الذي كان أحد أسباب صمودنا واستمرارنا على قيد الحياة، لكن دعمه ليس على حساب المستهلك، أي يجب أن يتوجه دعمه إلى مستلزمات الإنتاج وليس إلى أسعار المبيع، وهذه هي الحلقة المفقودة، أو التي لا يريد أحد أن يعمل عليها، بل على العكس فإن مستلزمات هذه الإنتاج في ارتفاع مستمر وهذا خطأ فادح، لأنه يؤثر سلباً على العملية الإنتاجية الزراعية، وبذات الوقت لا يفيد المستهلك، بل يحمّله كما شقيقه المنتج أعباء إضافية!

ثمة مال عام يُصرف تحت عناوين مختلفة (التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية، دعم المشاريع الصغيرة ومنها الزراعية، انخفاض أسعار ورسوم الري..) وغير ذلك من الإجراءات التي ليست في البال، وهي تكلّف خزينة الدولة المليارات لكنها لا تصيب بفائدتها إلا أعداداً قليلة، فيما لو أنها اتجهت إلى دعم سعر الأسمدة مثلاً لكانت النتائج أكثر إيجابية وملموسة بشكل واضح.

المشكلة أنّ من يتخذ القرارات الزراعية بعيد عن تفاصيل الوجع، حتى فروع اتحاد الفلاحين ليست على دراية تامة بكل تفاصيل الإنتاج الزراعي، ومن يجلس في مكتب (مكيّف) لا يستطيع أن يقدّر تعب الفلاح وقلقه ووجعه، وبالتالي فإنه من الطبيعي ألا يحسن اتخاذ القرارات المناسبة دائماً!

بين الحمضيات والبطاطا

من يتابع أسعار الحمضيات وارتفاعها التدريجي والمستمر منذ بداية الإنتاج وحتى الآن يستطيع أن يسجّل ما يلي: كان التسويق هذا الموسم جيداً، مستفيداً من عودة جميع الأسواق المحلية إلى العمل وفتح خطّ العراق الأمر الذي زاد الطلب على الحمضيات فارتفع سعرها وما زال يرتفع، وهو (نظرياً) أمر مبشّر لمزارعي الحمضيات، ولكن الحقيقة فإنّ الفائدة الأكبر لم تكن للمزارع وإنما لـ (الضامن) الذي أخذ المحصول على (أمّه) بـ 40 أو 50 ليرة للكيلو بشكل وسطي ولجميع الأصناف، وإن كانت من فائدة ما فإن المزارع سيكون بإمكانه رفع سعر (الضمان) في الموسم القادم مستنداً إلى أسعار الموسم الحالي، ومع هذا بقيت أسعار الحمضيات (باستثناء الليمون الحامض) ضمن قدرة المواطن الشرائية، أضف إلى ذلك أن الحمضيات ليست مادة استهلاك يومي، ويمكن تقنين استهلاكها، لذلك لم نسمع أي شكوى على أسعارها، اللهم باستثناء الشكوى حالياً من أسعار الليمون الحامض.

أما عندما يتعلق الأمر بالبطاطا فالوضع مختلف تماماً، فهي مادة أساسية وبشكل يومي، ولا يمكن لأي أسرة أن تستغنى عنها خاصة مع ارتفاع أسعار جميع الخضراوات، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يضجّ الناس عندما يرتفع سعر البطاطا بشكل جنوني، هذه الضجّة دفعت بوزارة الزراعة إلى التراجع عن قرارها بمنع استيراد البطاطا، وسمحت باستيراد كميات محددة للتأثير إيجابياً في السوق، والتراجع (50-100) في سعر البطاطا المستوردة لم يكن كافياً، وكان التعويل على (هبّة) الإنتاج المحلي، مع بعض الإجراءات الإيجابية التي ألغت الحلقات الوسيطة على نطاق واسع فتراجع سعر البطاطا خلال أقل من اسبوع من (700-800) ليرة إلى (350) ليرة وبشكل شبه موحد في جميع المناطق في محافظتي اللاذقية وطرطوس، ولم يتأثر منتج البطاطا، فكل ما في الأمر أن ما كانت تتقاضاه الحلقات الوسيطة ألغته الإجراءات الإيجابية سواء من محافظي اللاذقية وطرطوس أو من فرعي اتحاد الفلاحين في المحافظتين، أو من خلال تدخّل الأيادي البيضاء في هذه المعادلة أيضاً.

سنعتبر أن التدخل كان إيجابياً (100%)، وأفاد المستهلك ولم يضرّ بالمنتج، ليأتي السؤال: وماذا بعد؟

إلى أين سنتجه بخطوتنا التالية، هل نتعامل مع (الفروج والبيض) بنفس الطريقة، ونخفّض أسعارهما خاصة وأننا مقبلون على شهر الخير والبركة شهر رمضان المبارك؟

نأمل ذلك، وننتظر خطوات مماثلة في جميع الاتجاهات، لأن المزارع الذي حُرم من الاستفادة من ميزة فتح خطوط التصدير، يجب أن يرتاح باله عندما يجد أن المسألة لا تخصّه وحده فقط، وأنه بإمكانه أن يشتري لعائلته (فروجاً) وهو الذي قضى أشهر طويلة بانتظار موسمه!

إلغاء الحلقات الوسيطة قدر المستطاع هو الحلّ الحقيقي الوحيد الذي بإمكاننا أن نطمئن إليه وأن نشارك بتكريسه، ومع أنّه قد يُخرج البعض من حسابات المشهد إلا أن ذلك لا يولّد الشفقة في قلوبنا، لأنهم لو ارتضوا بهامش ربح مقبول لما وصلنا إلى ما نحن عليه..

دخل المواطن العادي معروف ومحدود، وبالتالي يجب أن تصبّ جميع الإجراءات في جعله كافياً لحياة كريمة، وهذه هو التحدّي الحقيقي، والغربال الذي نتمنى أن يُعتمد بشكل جدي لتقييم الأداء الحكومي في هذه المرحلة، وخاصة للوزارات ذات العلاقة.

غــانــم مــحــمــد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار