العالم ما بعد كورونا.. ملامح جديدة لنظام اقتصادي تقوده الصين الباحث عبود: أمريكا فشلت في قيادة العالم
الوحدة: 26-3-2020
كورونا يعصف بالاقتصاد العالمي، ويتسبب التفشي المتسارع للفيروس المستجد بتعطيل الحياة في مدن عديدة وإغلاق الأسواق وتعطيل حركة السفر والإضرار باقتصاد العالم كما أنه أبرز كفاءة حكومات وكشف فشل أخرى.
حول آثار كورونا على الاقتصاد العالمي ونتائج ذلك على القادم من الأيام يقول الباحث الاقتصادي والأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة طرطوس الدكتور ذو الفقار عبود للوحدة: تبدو جائحة كورونا، شأنها شأن أحداث مفصلية في التاريخ كسقوط جدار برلين أو انهيار بنك ليمان براذرز، حدث عالمي مدمر يصعب تخيل عواقبه على المدى البعيد، مشيراً إلى وجود ملامح جديدة للنظام العالمي بعد كورونا سوف تتحدد ومن أبرز هذه الملامح….
عالم أقل انفتاحاً وأقل حرية
يقول الدكتور عبود: إن جائحة كورونا ستسهم في تقوية الدولة وتعزيز الوطنية، وسوف تتبنى الحكومات في مختلف أنحاء العالم إجراءات طارئة لإدارة الأزمة المتمثلة في تفشي الوباء، لكن العديد من تلك الحكومات لن ترغب في التخلي عن السلطات الجديدة عندما تنتهي الأزمة، لافتاً إلى أن انتشار الوباء يسرع في وتيرة تحول السلطة والنفوذ من الغرب إلى الشرق، ودليل ذلك استجابة دول شرقية لمواجهة المرض مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة بشكل أفضل من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، كما أن تعاطي الصين مع الوباء كان جيداً بالرغم من تعثرها في البداية عند اكتشاف الفيروس، وإن الاستجابة البطيئة والمتخبطة في أوروبا وأميركا من الأشياء التي شوهت الهالة التي طالما أحاطت بالتعامل الغربي.
وأضاف: إن الوباء الحالي لن يسهم في تغيير السياسة العالمية السائدة التي يطبعها الصراع، بدليل أن الأوبئة التي مرت على البشرية من قبل لم تضع حداً للتنافس بين القوى العظمى ولم تكن نقطة بداية لحقبة جديدة من التعاون العالمي.
منوهاً بأن المعركة ضد الوباء الحالي سينقشع غبارها عن عالم أقل انفتاحاً وأقل ازدهاراً وحرية نظراً لتضافر عوامل عدة، من ضمنها الفيروس القاتل والتخطيط غير المناسب والقيادات التي تفتقر للكفاءة مما يضع البشرية على مسار مثير للقلق.
نهاية العولمة
يضيف الباحث عبود: إن جائحة فيروس كورونا قد تكون القشة التي قصمت ظهر بعير العولمة الاقتصادية، ويرجع ذلك إلى عوالم قبل ظهور الوباء، من ضمنها القلق الأميركي من تنامي القوة الاقتصادية والعسكرية للصين والذي أدى إلى إجماع سياسي على فصل الصين عن التكنولوجيا العالية التي تمتلكها الولايات المتحدة ومحاولة حمل حلفاء أميركا على أن يحذو حذوها.
كما أن الضغط الشعبي والسياسي المتزايد لخفض انبعاثات الكربون حماية للبيئة، أثار تساؤلات حول اعتماد العديد من الشركات على سلاسل التوريد من مسافات بعيدة، فقد أجبر تفشي (كوفيد-19) الحكومات والشركات والمجتمعات أيضاً على تعزيز قدرتها على التعامل مع فترات طويلة من العزلة الاقتصادية الذاتية، ومن المستبعد في ظل كل ما سبق أن يعود العالم إلى فكرة العولمة ذات المنفعة المتبادلة التي طبعت أوائل القرن الحادي والعشرين.
عولمة محورها الصين
ويؤكد الدكتور عبود: إن الجائحة لن تؤثر كثيراً على الاتجاهات الاقتصادية العالمية، ولكنها ستسهم في تسريع تغيير كان قد بدأ بالفعل، هو الانتقال من العولمة التي تتمحور حول الولايات المتحدة إلى عولمة تتمحور حول الصين، هذا السيناريو بات مرجحاً في ظل فقدان الشعب الأميركي الثقة بالعولمة والتجارة الدولية، والذي بات أيضاً يرى أن اتفاقيات التجارة الحرة أصبحت سامة سواء في ظل حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب أو غيره.
وفي المقابل، لم يفقد الصينيون ثقتهم بالعولمة والتجارة الدولية نظراً لعدة أسباب بعضها يعود لأسباب تاريخية، حيث يدرك القادة الصينيون جيداً الآن أن قرن الذل الذي عاشته الصين من عام 1842 إلى عام 1949 كان نتيجة لتهاونها والجهود غير المجدية التي بذلها قادتها لقطعها عن العالم، مؤكداً أن انفتاح الصين على العالم خلال العقود القليلة الماضية أثمر انتعاشاً اقتصادياً وعزز ثقة الشعب الصيني بثقافته، فبات الصينيون يؤمنون بقدرتهم على المنافسة في أي مكان من العالم، مشدداً على أن أميركا لم تنجح في اختبار القيادة إذ يبدو أن عالم ما بعد فيروس كورونا لن يشهد استمرار زعامة الولايات المتحدة للعالم، فالعالم لن ينظر إلى الولايات المتحدة بعد الآن كقائد دولي نظراً لسلوك الإدارة الأميركية الذي يقوم على تغليب المصالح الذاتية الضيقة وافتقار تلك الإدارة الفادح للكفاءة، فقد كان بالإمكان التخفيف من الآثار العالمية لهذا الوباء إلى حد كبير من خلال قيام المنظمات الدولية بتوفير مزيد من المعلومات في وقت مبكر، الأمر الذي سيمنح الحكومات الوقت الكافي لإعداد وتوجيه الموارد للأماكن التي تعد أكثر حاجة إليها، وكان بمقدور الولايات المتحدة الاضطلاع بهذا الدور وتنظيم تلك الجهود لتثبت أن اهتمامها لا ينصب فقط على الشأن الداخلي الأميركي، لقد فشلت واشنطن في اختبار القيادة ولقد بات العالم أسوأ حالا نتيجة لذلك الفشل.
وأضاف الباحث عبود: إن التاريخ يكتبه المنتصرون إذ إن المنتصرين في هذه المعركة ضد فيروس كورونا القاتل هم من سيتسنى لهم كتابة التاريخ كما هي الحال عبر تاريخ البشرية، حيث أن كافة الدول باتت تعاني من الإجهاد المجتمعي الناجم عن انتشار الفيروس بطرق جديدة وقوية، وإن الدول التي تنجو بفضل نظمها السياسية والاقتصادية والصحية الفريدة، ستفوز على الدول التي خرجت بنتائج مختلفة ومدمرة في معركتها ضد الفيروس القاتل.
كما أن النظرة لما ستسفر عنه المعركة ضد كورونا ستتراوح بين من يرى فيها انتصاراً حاسماً للديمقراطية والتعددية والرعاية الصحية الشاملة، فيما سيرى فيها البعض دليلاً على الفوائد الجلية لأنظمة الحكم الحاسمة، لافتاً إلى أنه من المتوقع أن يتعرض النظام الدولي لضغوط كثيرة بسبب الفيروس الذي اجتاح معظم دول العالم خلال الأسابيع الأخيرة وأدى إلى تراجع النشاط الاقتصادي وزيادة التوتر بين البلدان، مما قد يؤدي إلى عدم الاستقرار وإلى نزاع واسع النطاق داخل بعض الدول وفيما بينها.
وحول تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد السوري قال الدكتور عبود:
لا شك أن تفشي فايروس كورونا سوف يكون له تداعيات على الاقتصاد السوري بسبب إغلاق الحدود والمطارات وإقفال الكثير من المنشآت الاقتصادية والحيوية، ولذلك على الحكومة السورية اتخاذ العديد من الإجراءات الاقتصادية الاحترازية شأنها في ذلك شأن التدابير الاحترازية الطبية، مشيراً إلى أن الأسبوعين الأول والثاني من بدء الاجراءات الاحترازية شهدا ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية والطبية ومواد التنظيف بشكل عام وهذا سببه ضعف الرقابة على الأسواق ولذلك نقترح مضاعفة رقابة دوريات التموين وحماية المستهلك على محال المواد الغذائية وضبط هذا الارتفاع غير المبرر في ارتفاع الأسعار والذي نعزوه لزيادة الطلب على السلع الاستهلاكية لعوامل نفسية لدى المستهلكين، مؤكداً على ضرورة تأمين صالات عرض وبيع السورية للتجارة بكميات كبيرة من السلع التي عليها طلب كبير ولا سيما الزيوت والسمون والأرز والبرغل والسكر والمحارم بأنواعها فقد لوحظ خلو هذه الصالات من هذه المواد بسرعة كبيرة، موضحاً أنه لابد من التشاركية ما بين القطاعين العام والخاص ولكن بعد وضع خطة استباقية لمنع الاحتكار للمواد الأساسية، من أجل التخفيف من التداعيات الاقتصادية لا بد من دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة حكومياً فهي عماد الاقتصاد الوطني من خلال تشجيعها على الإنتاج وتعديل التشريعات التي قد تكون مفرملة لانطلاق هذه المشروعات ولا ننسى أنها تؤمن فرص عمل للآلاف من الشباب وأسرهم كما أنها تعتبر رديفة لمؤسسات القطاع العام في عملية الإنتاج.
وختم الباحث عبود بقوله: أعتقد أنه على الحكومة اتخاذ إجراءات وقائية مثل إعفاء المستوردين من سقوف إجازات الاستيراد واستيراد كميات كبيرة من المواد الغذائية الأساسية ولا التي تأخذ عملية إنتاجها فترات طويلة لتدخل في الدورة الاستهلاكية.
تمام ضاهر