العدد: 9556
الثلاثاء : 24 آذار 2020
يعاني القطاع العام في مفاصل كثيرة من الترهل والتكلس، والمشروع الوطني للإصلاح الإداري من المداخل الهامة للإصلاح الاقتصادي والشامل وهي أفعال غايتها إصلاح الأمور وواقع الحال في إطار السلم وليس بالقوة والقسر للانتقال إلى واقع إداري وخدمي ومجتمعي أفضل.
هناك الكثير من القوانين القديمة التي أكل الدهر عليها وشرب وتشل حركة القطاع العام وتكبله وتحد من حركته ومرونته ومجاراته لتطور الزمن والحياة وتجبره على المراوحة على هامش الواقع والمشروع الوطني للإصلاح الإداري يعتمد على خلق منهجية عمل واحدة متجانسة لكل المؤسسات عبر مراكز القياس والدعم الإداري يقوم بوضع الهيكليات والتوصيف الوظيفي وإيحاد آليات القياس والأنظمة الداخلية بينها وتبيان رضى المواطن والموظف عن الواقع الإداري الجديد الذي نطمح بالوصول إليه.
هناك فجوة كبيرة بين النظرية والتطبيق العملي على أرض الواقع وهوة واسعة بين المواطنين والمؤسسات بسبب غياب مراكز القياس والدعم الإداري ومرصد الأداء من إغلاق هذه الهوة وإيجاد أقنية تواصل بينها وتعزيز الثقة بمؤسسات الدولة، والتشريعات والقرارات الصادرة لا تكفي وحدها لنجاح الإصلاح، بل يجب التقيد والتطبيق الحرفي لها والتزام المؤسسات المعنية بها واعتماد مبدأ النزاهة عند اختيار الإدارات وتشجيع الرقابة الذاتية داخل مؤسسات القطاع العام بحيث يصبح الكل مسؤول عن نجاح مؤسسته، وتشجيع الإبداع والمنافسة والمبادرات الخلاّقة وعدم تعطيلها ووأدها ومحاربة وإحباط أصحابها.
فيما يخص القطاع العام الصناعي فإن من يخسر الوقت يخسر الجهد والمال والآمال المعقودة على المستقبل، علينا تحديد الصعوبات والعقبات التي يعاني منها القطاع العام الصناعي واقتراح واجتراح الحلول المجدية لمعالجتها واختيار الإدارات الخبيرة الكفؤة القادرة على إدارة العمل والإنتاج والعمال وإطلاق يد الكوادر والخبرات الفنية والمهنية الكثيرة والوثوق بها وعدم تكبيلها ودفع القوى الشابة والمؤهلة والكفؤة والاستفادة من التجارب الناجحة للدول المتقدمة في هذا المجال، والعمل بروح الفريق الجماعي وتأمين الحياة الكريمة للعاملين عبر تحسين ظروف عمال القطاع العام المعيشية لقطع الطريق على الفساد والفاسدين واعتماد مبدأ الحوافز الإنتاجية ومشاركة الإدارات والعمال في الإنتاج للتشجيع على الإبداع والمنافسة، ومنح الكوادر الفرص المناسبة وفتح روح الخلق والإبداع أمام المهندسين والخبرات الفنية للابتكار والإصلاح وتوفير الأموال الصعبة على خزينة الدولة، ومنح الإدارات المرونة الكافية في التعامل مع الظروف الطارئة والمستجدة وإعطاء الصلاحيات للإدارات لتنظيم الموارد واستثمارها وكسب الوقت في العمل والإنتاج وعدم تضييعه في المناقصات وإجراءاتها المموجة وتحقيق مصلحة العمل بسرعة للوصول إلى إنتاج أفضل وتسويقه عوض التكديس في المخازن وتوسيع القاعدة الاستثمارية وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص بغية الوصول للاستثمار الأمثل للموارد المحلية في جميع المجالات الإنتاجية.
نحن نولي أهمية كبيرة لإصلاح القطاع العام الضخم بقدراته وإمكاناته البشرية والمادية وتحقيق الانفتاح الاقتصادي وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية من خلال نشر ثقافة الإصلاح وبناء الوعي وإصلاح الكوادر القيادية والتعامل بشفافية كاملة مع المواطن من خلال تأسيس موقع إلكتروني للتواصل مع المواطنين وتلقي مقترحاتهم وشكاويهم وتقييمهم وإقامة مرصد للأداء الإداري لمتابعة ومراقبة تطبيق المؤسسات لمعايير الإصلاح وتقييم أداء كل مؤسسة بشكل مستقل.
علينا البدء بالإصلاح الإداري سريعاً لأنه أحد الشروط الأساسية المطلوبة للنجاح في إعادة إعمار ما دمره الإرهاب المجرم في البنية الفوقية والتحتية المادية والبشرية والتحلي بالإرادة الصلبة والإدارة الناجحة في تنفيذ القرارات والتوصيات وبرامج العمل التي يتم الإعلان عنها وإحداث المعاهد المتخصصة بتطوير الإدارة وتأهيل القيادات وزجها في مفاصل الوظيفة العامة الإنتاجية والخدمية ومكافحة جميع أنواع الترهل الحاصلة في الإدارة والأداء كي لا يكون مشروع الإصلاح ذريعة لخلق ترهلات جديدة تحت يافطة مكافحة الترهل، وأي تلكؤ أو تباطؤ يلحق الضرر بمشروع الإصلاح ويتسع الخرق والتجاوزات وتتبعثر جهود الإصلاح وتشتت الأهداف وننتقل من فساد إلى فساد وإفساد ونوم الضمائر وتلوث النفوس.
نعمان إبراهيم حميشة