العـــــدد 9555
الإثنــــــين 23 آذار 2020
قلنا قبل أيام إن المؤسسات الرسمية اتخذت إجراءات وقائية جيدة في مواجهة الحالة الصحية المستجدة، ورأينا في هذا الإجراءات خطوة متقدمة في سبيل تحصين المجتمع من الهجوم الفايروسي الذي أربك العالم. بالمقابل، لم نر استجابة كاملة من المواطنين مع هذه الإجراءات، فبقي قسم كبير لا يعيرها اهتماماً يتناسب مع حجم وخطورة الحالة، ورغم التحذيرات الرسمية والشعبية بضرورة التزام المنازل إلا للحالات الضرورية، رأينا فلتاناً واضحاً في شوارع المدن، وإصراراً على استكمال دورة الحياة كما كانت قبل كورونا.
مع بداية النهج الاحترازي، صدر قرار بإيقاف بيع الخبز على كوات الأفران منعاً للازدحام، وتقرر توزيع الإنتاج على البقاليات المنتشرة في شوارع المدن، إلا أن المواطن يجزم أن هذا الإجراء أدى إلى فقدان المادة، والتلاعب بسعرها، ووصولها إلى المستهلك بجودة أقل من اللازم، مما سبب نقل الازدحام من الأفران إلى الأكشاك والبقاليات، في حين يقول أصحاب القرار إن المادة متوفرة وتوزع على دفعات في مواعيد متلاحقة، ولكن المواطن يصر على الحضور في أول موعد، وترك المواعيد الأخرى، خوفاً من انقضاء اليوم بلا أن يحصل على حاجته من الخبز، حتى أن الخبز الواصل إلى المدن في المواعيد المتأخرة لا يجد من يشتريه بعكس ما يحصل في الموعد الصباحي، إذ نجد طوابير البشر تقف لساعات بلا جدوى.
لسنوات طويلة اعتدنا في الأرياف على سيارات جوالة لمعتمدي الخبز، ولم يشكُ أي شخص من عدم توفر المادة، فموعد وصول السيارة كان مقدساً، ومن ينشغل عن الموعد المحدد كان يوصي جاره بالنيابة عنه، وكانت الأمور على أحسنها في هذا الخصوص، ولكن التخبطات في اتخاذ القرارات، والحديث المعقد عن تهريب الدقيق، وشراء الخبز لتحويله إلى علف للدواجن والأبقار، ألغى هذه الحالة، وفرض على أبناء القرى قطع مسافات طويلة للوصول إلى الفرن، وجعلهم يضطرون لتموين المادة على اعتبار أن الوصول إلى الأفران البعيدة يرتب عليه أجرة تنقل لا يقدر على دفعها في كل مرة، فجاء قرار إيقاف المعتمدين والسيارات الجوالة بعكس مصلحة المواطن تماما، هذا إن افترضنا أنه (القرار) ساهم في لجم المهربين والمخربين.
اليوم، لا بد من العودة إلى سياسة المعتمد وسيارته الجوالة، ولا بد أيضاً من خلق أداة تنفيذية، تريح المواطن من الأعباء، وتلجم ضعفاء النفوس، فليس من المعقول أن يساوي القرار بين المستهلك والمهرب في الحرمان.
نعاني دائما من مشكلة لم نهتد إلى حلها، فبين القرار والتنفيذ، وثقة المواطن أو خوفه، يضيع الأمر، وتبدو الخطوة الجيدة على الورق، بلا فائدة على أرض الواقع، ونراها دعسة ناقصة بالرغم من أهميتها إن حسُن تنفيذها، وكي نصل إلى أقصى حد من الفائدة علينا جميعاً أن نتعاون، وأن نبحث عن طرق فعالة، تجعل من المواد الأساسية متاحة، بلا خوف من فقدانها، ولا سبيل إلى ذلك في زمن الكورونا إلا بالسيارات الجوالة، فلو سألنا أي مواطن عن رغبته في الحصول على ربطة خبز، أو أسطوانة غاز من تحت منزله ولو حُمل زيادة بسيطة على سعرها، لوافق بلا تردد، فلا أحد بيننا يعشق الانتظار، والتجمهر، والوقوف لساعات، وليس بيننا من يرفض أن يدفع رسوماً إضافية معقولة في حال توفرت المواد بالقرب من منزله.
في هذه الحالة فقط، ستنزع ذريعة الازدحام، وسيلتزم المواطن بيته، لأن حجة الخروج قد انتفت، ويمكننا في حينها أن نحد من تجوله بالمنطق والعقل، وبالإجبار إن اضطر الأمر.
غيث حسن