ضقنا بأمرهم داخل قضبان البيت

العـــــدد 9555

الإثنــــــين 23 آذار 2020

 

سمعنا بـ (قاضي الأولاد شنق حالو) واليوم نحن هذا القاضي الذي ضاق ذرعاً في فك زمام الأمور(شجاراً بالأيادي أو ملاسنة) بين أولاده صغاراً كانوا أم كباراً، فلم يعتد أحد منهم على الحبس منفرداً داخل جدران البيت وخلف شبابيكه، وهم يحدقون على من انفك حصاره ويتأملونهم في ذهابهم وإيابهم، ويأملون الخروج بينهم، وقد مضى أكثر من أسبوع عليهم وكأن جناية أو جريمة ارتكبوها وحق عليهم العقاب، يرفضون أن يصدقوا أن الأمر غاية في الخطورة وأن الحبس واجب علينا وشرط حياة فعلينا التحمل و الصبر.
الطفلة نايا في الصف الأول أشارت أنها اشتاقت لمدرستها وملت هذه العطلة وتريد الخروج مع أمها إلى السوق، تود أن تتجول فيه وتحضر لباساً جديداً أو أي شيء آخر، المهم أن تخرج من البيت ولو لتأكل سندويشة بطاطا أو فروج، أو حتى تشتري بسكويت وعلكة لكن والدتها قد أقفلت الباب ولا تدع أحداً من أهلها أن يخرج سواء أخذ الأذن منها أو لم يأخذه، حتى والدها جلس جانبهم في البيت ولم يعد يخرج للمحل، فهو يعد سندويش الفروج بكل نكهاته (شيش، بروستد، شاورما، بطاطا، فاهيتا، ..) كلها خف الطلب عليها فما كان غير أن جلس معهم بالبيت، ولأول مرة تسمع صوته وصراخه عليهم إذا ما ارتفعت أصواتها مع أخيها أكبر منها بسنة، لقد ملت الحبس في البيت وتريد الخروج لترى الدنيا وتلعب.
الشاب الصغير ميسم، صف بكالوريا أكد أنه قد مل العطلة وهو قلق جداً على دراسته حتى أنه لم يعد على ذاك الجد والاجتهاد فقد خفت همته وعزيمته في الدرس، ولا يعرف إن كان هذه السنة سيقدم الفحص أم لا، فقد توقفت الدروس الخصوصية وذلك لتفادي التجمعات، كما أن والديه منعاه منعاً باتاً من الخروج، حتى من التسكع مع الأصدقاء لبعض الوقت والتسلية وشددا بقولهما عليه أن يحادثهم من بعيد على الواتس آب أو الأنستغرام، فلن يخرج من البيت حتى لو (أطبقت السماء على الأرض) ولم يراهما بهذه الشدة كما اليوم، كانت الحرب والخراب ولم يحبسانه، واليوم لأجل المرض تكون كل هذه التدابير وتقطع عنه أواصل التسلية والترفيه وجمعة الأصدقاء، حتى أنه لم يعد يدوس بيتهم جيران وأصدقاء ولا حتى أقرباء، يريد أن يأكل السندويش همبرغر أو شاورما أياً كانت وهذا أصبح من الممنوعات، وكله يحضر في البيت والفرق بينهما شتان، ويريد أن يدخن الأركيلة لكن أين؟ وفي البيت هي من أكبر الكبائر والكافيتريات قد أقفلت، ولم يعد له من متنفس للتنزه والتسلية وحتى لا قابلية عنده للدرس بهذا الحبس، والذي لا يشبه غير سجن انفرادي بشرطيين هما والداه.

الأستاذ ملهم، مدرس مادة العلوم للشهادات (إعدادية وثانوية) قال: انقطع رزقنا من كورونا، فلم يعد الطلاب يأتوننا لأجل التعلم والدرس، كما أننا حبسنا أنفسنا وأولادنا في البيت، ونحاول أن نلهيهم بالدرس وندور بيننا الأحاديث لنقوم فيها البناء، إنها فرصتنا لنلتقي بالأولاد حيث كانت الأعمال وكثرة ساعات الدروس الخصوصية تلهينا عن أولادنا وتبعدنا طيلة أيام وسنين، لكن المشاجرات بينهم تدفعني للشجار مع أمهم، لقد كثرت المضايقات والأوجاع، ولم نعد عليها صابرين والأولاد يفورون ولا يعرفون ماذا يفعلون وهم محبوسين وكل الإرشادات التي نقولها ونتداولها بينهم عن المرض لا يقنعون، ويثيرون المشاكل حتى يهربون من البيت، وحجتهم ذاك الذي يهرول في الطريق، ولو ذاهب لعمله وأشغاله.
السيدة جهينة، موظفة: أشارت أنها تقفل الباب على أولادها الثلاث الصغار كل يوم تذهب فيه إلى عملها، وليس كل يوم كما في السابق فقد وزعت الأدوار بين العاملات، ليكون نصيبها يومان في العمل، وباقيها جانب الأولاد الذين يشيبون الرأس، وباتوا في البيت قائمين ومقيمين طوال ساعات اليوم ليل نهار، لتعم الفوضى في جنبات البيت وغرف النوم والأثاث، ووصلت الفوضى العارمة حتى في تصرفاتهم وألعابهم وعبثهم في كل شيء وتنبيشهم حتى الثياب، لقد زاد التعب علي والإرهاق، ولما أضيق عليهم بالقول وأني لم أعد أحتمل كل هذه الأعمال يومياً يردون ويتوسلون لي أن أخرجهم من البيت ولو لبعض الوقت للسوق أو النزهة في الحدائق والملاعب، وأنا أكرر عليهم أن النفاذ من أبواب البيت قد يعرضنا للتهلكة، وأسألهم المساعدة في بعض الأشغال مثل الترتيب والتنظيف وأرجع عليها ثانية لتكون بأفضلها، كما أن لي بعض الوقت معهم في قراءة القصص ومراجعة بعض الدروس وممارسة بعض التمارين الرياضية والألعاب الفكرية والتحفيزية التي تلهيهم بعض الوقت وتأخذ بعض الاهتمام عندهم، فقد ضقت بهم ولم أعد أحتمل وجودهم في البيت طوال الوقت، لقد امتنعوا عن دروسهم ومدارسهم كما توقفوا عن صفوف البيانو والموسيقا والنحت، ليجلسوا في البيت وكل منهم يحشر أنفه بشؤون الآخر لتندلع حرائق المشاجرات والمشاحنات التي كانت بعيدة عنهم وهم في مدارسهم وبرامج يومياتهم، فماذا نفعل اليوم؟

تصفح المزيد..
آخر الأخبار