الغايـــات الخفيـــة.. أقنعـــة وســحنات متلّونــة تلتصــق بوجــوه بعــض البشـــر

 العدد : 9553

الأربعاء : 18 آذار 2020

 

تحمل الابتسامات البلهاء والدهشة الدائمة مغيبة وراءها مفردات العبوس والحسد والحقد والأنانية ومخفية تفصيلات الغش والخداع والكذب حتى كاد المشهد يتحول إلى سيرك يعجّ بالمهرجين الذين يضحكون على ذقون المأخوذين بجاذبية الألوان الصارخة المزيفة.

إنه زمن النفاق والزيف، حيث الفوز والصدارة لمن يستطيع أن يتمسك بقناعة ويتماهى معها أطول فترة ممكنة حتى تحطمت الحقائق وتهشم العقل وتشوهت المفاهيم الصحيحة وتكسرت القلوب الصادقة في لجة الكذبة الكبرى.

إنه زمن التخلي عن أي قيمة ذات معنى واغتيال الأحاسيس الإنسانية وتحويلها إلى أدوات ميكانيكية توصل، وتقطع بحسب العرض والطلب في سوق النخاسة الأزلي المليء بسماسرة يؤمنون بالغاية مهما كانت الوسيلة وبمشروعية استخدام الجسد والروح لتحقيق المراد وتكديس الأموال وتكريس سطوتهم على المحيطين بهم.
على مدى السنوات القليلة الماضية فجعت بعدد من الأشخاص الجادين المنفتحين على الحياة، المؤمنين بالإنسان كقيمة لا تعوضها قيمة أخرى، الداعين إلى الحرية والمساواة وحق الاختيار في كل شيء، المدافعين عن فسحات الحب واللحظات المحلقة في فضاء الروح، الرافضين استغلال أوقات الضعف والانكسار، وقد ابتاعوا أقنعة من دكان هذا الزمان وألصقوها على وجوههم وتحولوا إلى جزء من طوابير المتربصين بالآخرين لاقتناص ما يمكن اقتناصه حتى لو كان على حساب أقرب المقربين منهم ما يعني أن أصحاب العقول الراجحة المستنيرة ما انفك عددهم يضمحل وحضورهم يخفت وبالتالي تتزايد شراسة الواقع ويستذئب مستحدثو النعم للحصول على مآربهم غير النظيفة .
ويحضرني في هذا السياق ما جاء في كتاب ++++(الإمتاع والمؤانسة ) لأبي حيان التوحيدي حول بعض أصناف العقول البشرية إذ يقول 🙁 هناك صنف من الناس عقولهم مغمورة بشهواتهم منهم لا يبصرون بها إلا حظوظهم المعجّلة فلذلك يكدون في طلبها ونيلها ويستعينون بكل وسع وطاقة على الظفر.
وصنفت عقولهم منتبهة لكنها مخلوطة بسبات الجهل فهم يحرضون على الخير ويخطئون كثيراً وذلك أنهم لم يكملوا جبلتهم الأولى وهذا نعت موجود في العباد الجهلة والعلماء الفجرة كما أن النعت الأول موجود في طالبي الدنيا بكل حيلة ومحالة).
إذاً فإن الذين ينجرفون وراء الغايات الأنانية ويرضخون لحمّى الاستهلاك ويبحثون عن ثرواتهم وملذاتهم بكل وسيلة متاحة أو غير متاحة هم أساساً لا يمتلكون الحصانة الكافية للحفاظ على أفكارهم ومبادئهم لأن قناعاتهم تشكلت منذ البداية على أسس هشة غير راسخة لكونها جاءت نتيجة موضة دارجة ربما أو تقليد لشخص ما أو جماعة ما.
وهذا الصنف من البشر يكون الأكثر إيذاء للآخرين من غيره خاصة أولئك المقربين منه الواثقين به المدافعين عنه في جلسات النميمة التي تحكم الجلسات والسهرات في مجتمعاتنا المتخلفة إنه زمن الأقنعة الخادعة والابتسامات المزيفة حيث تدفن الحقائق ويشيع الدجل وتنقلب المعايير فيصبح الأبيض أسود والأسودَ أبيضَ وتنتفي درجات الطيف اللوني الحقيقي من حياة البشر.

 لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار