السـّـــوريّ ســـومر آغــا وفيلمه العالمي فوق الأرض

العدد: 9298

الأحد-24-2-2019

 

 

يمكنني أن أسمعك بابتسامة وأنت تتكلم عن نفسك، فقط تأكد لو كان هذا في المذياع لأقفلته، لكنّني مستعد أن أشتري هذا المذياع بآخر ما ادخرته من نقود، لأسمعك بكلّ اهتمام وأنت تتكلم عن عمل تقوم به.
لذلك أفضّل البداية أن تكون عمّا أقوم به، وهو الفيلم الوثائقي فوق الأرض، أهمّ شيء ممكن أن يتكلم به الإنسان هو عمله وخاصّة في مجال الفنّ لدوره في بناء المجتمعات والدفاع عن الإنسانية .
هذا ما قاله الفنان السوري والمخرج السينمائي ابن اللاذقية سومر عفيف آغا عندما سألناه عن سيرته الذاتية.

 

– لماذا فوق الأرض؟ ببساطة إنّها أرض تستحقّ الجمال، فلابدّ لفوق هذه الأرض أن يكون جميلاً، من فوقها لا من تحتها نفكر كيف علينا أن نبني ونكون، وأقول: هو مشروع عمل فيلم وثائقي طويل، فهو حالة خاصة لي كما لغيري من السوريين، وما جرى ويجري في سورية هو مؤلم للبشرية، ومن جهة أخرى فهو المشروع الفنّي الوحيد السوري الأوكراني الذي يوثق تراجيديا الحرب على سورية وانعكاساتها أيضاً على السوريين المقيمين في أوكرانيا وعلى أصدقائهم الأوكران في ظلّ الصراع داخل أوكرانيا وهي الحرب شرقي البلاد الذي أسفر عن عدم توافق في السياسات الدولية والإقليمية بين البلدين، ممّا يؤدي إلى صعوبات جمّة في النشاطات داخل أوكرانيا للمغتربين السوريين وأيضاً للعرب وحتى الأصدقاء الأوكران بالوقوف إلى جانب سورية في حربها، وكانت أولى نتائج هذا المشروع هما معرضان للصور من كوادر الفيلم الوثائقي فوق الأرض تحت اسم (سورية ما قبل وبعد الحرب).

وتمّ عرضه في عيد جلاء المستعمر الفرنسي عن سورية وفي عيد الجيش العربي السوري بحضور عدد كبير من الأوكران والسوريين والأصدقاء العرب في العاصمة الأوكرانية (كييف) تحت رعاية سفارة الجمهورية العربية السورية والجالية السورية في أوكرانيا، والعمل اليوم مستمر على الفيلم وتصويره في أوكرانيا بعد الذي صورناه في سورية منذ عامين، وقريباً في يوم وطني سوري سيعرض الفيلم بسينما العاصمة (كييف) ضمن حشد جماهيري. 

كانت الفكرة والبداية لهذا المشروع في السنة الأولى لدراستي الإخراج السينمائي، حيث بدأت الأحداث في سورية وتطورت فيما بعد، وبين حلمي الشخصي بإنهاء دراستي وتقديم كلّ ما هو مطلوب من مشاريع إخراجية وبين تراجيديا يعيشها السوريون، كأيّ سوري اختلطت الكثير من الأفكار لديه، من وجع آني وحلم مستقبلي قررت تقديم كل ما لديّ من الذي سأكتسبه كخبرة ودراسة علمية في السينما لصناعة فيلم ينصر سورية بالحرب عليها، ويقدم صورة للمجتمع الأوكراني والأوروبي عموماً حقيقة ما يجري عن طريق توثيق للحالات الإنسانية والأضرار البنيوية مع نتائج الدمار، وهذا تجسد أيضاً على مراحل في أعمالي الطلابية.
– هل بالإمكان أن تحدّثنا عن هذا التوجه، وما الذي دفعك إلى ذلك؟
حبّي وطموحي لدراسة الفنّ السينمائي بدأ من منزلي، وبفضل مشغل والدي النحّات والتشكيلي عفيف آغا، كنت أتأمّل رسوماته ومنحوتاته الحجرية ممّا دفعني إلى التعرف على أبعد تفاصيل الفنّ من أقرب مكان وأقرب شخص لي، ثم صقلت هذه الرؤية بقراءتي للقصص القصيرة والكتب الأدبية وتجاربي المسرحية والسينمائية الأولى ومتابعة الكثير من الأفلام ليتبلور الحلم و الطموح نحو دراسة أكاديمية للفن السينمائي.. وسافرت خارج سورية حينها للدراسة.
في العام الأول تعلمت أساسيات الفنّ والعلوم السينمائية، وفي العام الدراسي الثاني قمت بكتابة وإخراج الفيلم الروائي القصير (العودة إلى الداخل) كمشروع تخرّج للعام نفسه، وهو انعكاس الأزمة السورية على الطالب السوري المغترب، ورسالة بأنّ السوري رغم كلّ ما يجري من ضغوطات عليه هو صانع الحضارة والسلام، شارك الفيلم بعدد من المهرجانات السينمائية للأفلام القصيرة والطلابية داخل أوكرانيا، أمّا العام الثالث قدّمت مشروع فيلم روائي قصير (العِلاج) بطلب من مدرّسي المخرج الأوكراني باريس سافتشينكو لطرح نظرتي كسوري في فيلم عن المجتمع الأوكراني ضمن وظائف درامية وعلمية كانت في ذلك العام، يركز الفيلم على تفاصيل الحياة البسيطة في المجتمع الأوكراني ومشاكل الأسرة في ظلّ التدهور الاقتصادي، عرض الفيلم في الجامعة وضمن عدد من المهرجانات السينمائية.
وفي العام الرابع أصبح المشوار أجمل مع اكتساب مزيد من الخبرات والمعلومات العلمية في صناعة الفنّ السينمائي، عندها كانت بداية الأزمة وتطوّرها بأوكرانيا، نظرتنا نحن السوريون لما لدينا من مآسٍ في وطننا كانت كافية حتى نعرف ما الذي يجري، وإلى ماذا ستؤول الأحداث.
حينها قمت متأثراً بكتابة الفيلم الروائي القصير(مانيكان) أو (مجسم للأزياء) هو تجسيد مباشر لما يجري من وقائع في أوكرانيا على شخصيات الفيلم، تمّ عرضه في قسم الفنون السمعبصرية في كلية الفيلم السينمائي الروائي وكانت نهاية مرحلة البكالوريوس في الإخراج السينمائي مع نيل الشهادة باختصاص إخراج الفيلم السينمائي الروائي.
بعدها قدّمت لدراسة الماجستير بفرع الإنتاج السينمائي والتلفزيوني ببحث (صناعة الفيلم بالشرق الأوسط في ظلّ الصراعات والحروب) والذي أخذ اهتمام الكادر التعليمي في المعهد، وكان البحث دراسة مخطط إنتاجي مع إمكانية ترويجه وتسويقه في صناعة الفيلم السينمائي ضمن استراتيجية بمعالجة موضوعية في ظلّ ظروف الإنتاجية الصعبة.
حيث نلت شهادة الماجستير في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني مع درجة امتياز بعد تقديم البحث والمصادقة عليه من اللجنة الوزارية الأوكرانية والإدارة الأكاديمية في المعهد.
– ماذا عن التجربة التمثيلية السينمائية؟
ضمن فترة الدراسة قمت بتجسيد عدّة أدوار تمثيلية بأفلام سينمائية قصيرة منها يحاكي الواقع السوري، حينها كنت لا أزال أكوّن أفكاري حول مشروع الفيلم الوثائقي فوق الأرض الذي أرسم لصناعته فور إتاحة الإمكانات، ساهمت في كتابة فيلم (العودة) وقمت بأداء الدور الرئيسي فيه، إضافة إلى أدوار تمثيلية في سينما الأفلام القصيرة كفيلم (أنيوتا) والفيلم القصير (رجل في القناع) وفي الدراما الأوكرانية بمسلسل (محقّق عند الطلب) الذي عُرض على عدد من القنوات التلفزيونية الأوكرانية .
– حدّثنا عن تجربتك ومشاركاتك المسرحية ورؤيتك عن المسرح؟
بعد ما غادرت سورية حاملاً تجربة مسرحية جيدة مع فرقة أبو خليل القباني والمسرح القومي في اللاذقية وورشات عمل مختلفة مع مسرح استراغالي – إيطاليا في اللاذقية وآخرها مع الأكاديمية العربية للفيلم والفيديو بالقاهرة في دمشق، تبلور المفهوم الأكاديمي المسرحي وتطور مع دراسة الإخراج السينمائي لما تعلمناه من قواعد وأسس في المسرح أيضاً بمادة العمل مع الممثل.
بين الخطوات الأولى في عمر الخامسة عشر على خشبة مسرح اللاذقية القومي وخطواتي على خشبة جامعة كييف للمسرح والسينما وما بينهما من تجارب في المسرح ضمن عروض منها مسرحية (هنري الثامن) بدور هنري، ودور رئيسي في مسرحية (مطاردة البط) للكاتب الروسي ألكسندر فامبيلوف.
رؤيتي للمسرح تبدأ من مفهوم الأكاديمية العلمية ودور المسرح العظيم في بناء المجتمعات والحضارات، فهو ليس خشبة يقوم عليها تجسيد الإبداعات الفنية وعرضها فقط هو فضاء أوسع، ليس من الممكن أن يكون مرآة لواقع بالمعنى العادي وانتهى، أو متعة لحظية تعيدها حين تشاء لتنتشي، بناء المجتمعات المنتجة قام بشكل رئيسي على دور المسرح والعمل به واندماج الفكر الإبداعي بالحياة اليومية لكل إنسان، تداول الكلمة لا يصنع تطوراً، فرجيتها لا تقوّم أفراداً، بل الفكرة تهذب النفس، وتمنع حسّ الإلغاء وتساعد على الاكتساب، المسرح عِلم بُني على التراكم الطويل لحاجة الإنسان العميقة إلى مكان ينطلق منه تجسيد التطور، تنطلق منه اللحظة المثلى لعرض المكنونات غير المبتذلة، وغير المكررة دون تلك القوالب المملة، وأشير إلى كلمات كتبها البولوني المسرحي كريستوف ورليكوفسكي: (نحن نستنسخ صوراً للعالم بدلاً من إبداع عوالم ترتكز على الجدل مع المتفرّجين أو تستند إليه، كما تركز على الانفعالات التي تموج تحت السطح، والحق أنه لا شيء يضاهي المسرح في قدرته على الكشف عن العواطف الخفية)، من هذا الكلام العلمي العميق في نظرية المسرح بحاجة لنصفن قليلاً، ونحن علينا أن نعيد ترتيب أنفسنا لانطلاقة جديدة من تحت السطح تقوم على العلمية المهنية ورسم طريق لمدرسة خاصة تتناقلها شعوبنا وشعوب العالم ونفصل العاطفة التي نشأنا عليها ونخلع حالة التقديس ويبقى الاحترام لمن جرّب وأبدع بتقديم متعة فرجوية، ونذهب لتقييم التجارب الجديدة والمسرح الأكاديمي الذي حمل معه همّ بناء المجتمع والمدرسة والتطور والجيل، لنستعين بهؤلاء الأشخاص ممّن هم بيننا الآن الذين أسّسوا لوحة بألوان دقيقة ضمن كلّ هذا الخراب، الآخرون سريعو التقييم والإنصاف، للاستفادة من المبدع وحثّه للعطاء أكثر وتكريس جهوده لتطوير المستقبل والتركيز على المادة التي يقدّمها.
هنا أتوقف أيضاً عند منهج ستانيسلافسكي أو الثورة المسرحية، أساليبه نقلت التمثيل من المبالغات الاستعراضية والعرض الشكلاني السطحي والانفعالي إلى تعبير داخلي ينبع من الروح الإنسانية والعوالم الشخصية وهنا الفلسفة المسرحية والعلم المطروح.
وأختتم بكلام المسرحي أناتولي فاسيلف: (ما لا نحتاجه مسرح الدم والجثث في الشوارع، لا نحتاج مسرحاً دجالاً للصدامات بين الأديان والفئات العرقية) أي أن القول بناء الكوادر الفنية والمسارح ودور السينما وتطويرها يلغي مسرح الدماء في الواقع الذي نعيشه.
– كيف بالإمكان تطوير الإخراج السينمائي، وما الأدوات؟
السينما هي امتداد لما تكلمت به عن المسرح، الإخراج السينمائي هو جزء من عملية الفيلم السينمائي، تطور الاختصاص مرتبط بالمهنة والبناء والتطوير لابدّ أن يبدأ من الحرفية والتعليم، السينما العالمية سريعة كالضوء، المدارس والأكاديميات حول العالم تستقبل الآلاف سنوياً من الطلاب، الأهم القاعدة ويبقى البناء والتطور، نحن بحاجة إلى أكاديمية سينمائية سورية ترتقي بالأجيال، وتعلم معنى وأهمية صناعة الفيلم قبل التقنية، مع أنني أؤكد بأنّ السينما تقنية متطورة جداً، ويجب مواكبتها دائماً، لكن المفهوم الأكاديمي أساسي، والأسس المهنية ضمن مناهج عالمية، لدينا خريجون سينمائيون من أهم الأكاديميات وأعرف الكثير منهم وأواكب السينما السورية ونشاطهم، نملك طاقات وقدرات فنية، لماذا لا نستفيد منهم في البنية الأولى وعندها ستعود دور العرض وتنتعش الحركة السينمائية الفنية والتجارية الربحية وينتعش الاقتصاد السينمائي ويقوم المجتمع بأفكار خلّاقة جديدة بطقوس ثقافية ترفيهية، أكرّر كما كتبت في البحث العلمي للماجستير (صناعة الفيلم السينمائي معالجة موضوعية للقضايا الإنسانية والمجتمع ويمكن اعتماده كسلاح فنّي ضمن استراتيجية مخطط إنتاجي واقتصادي)، هذا ما ينقص السينما لتطويرها، هذه هي الأدوات، أمّا بعد فهي تطور نفسها، التقنية وليدة اللحظة، لكن القاعدة العلمية وليدة الجهد في وضعها.
– ما هي نشاطاتك وطموحاتك للأيام القادمة؟
أقدّم اليوم أبحاثاً حول مشروعي العلمي ضمن رسالة الدكتوراه في الفنّ السينمائي، حيث نُشر عدد من الأبحاث والمقالات العلمية من قبل وزارة الثقافة الأوكرانية ضمن البرامج العلمية والأكاديميات الحكومية وفي معاهد العلوم الفنّية ومؤتمرات الدراسات السينمائية.
وأعمل على مجموعة من البحوث السينمائية التي ستنشر قريباً ضمن المؤتمرات العلمية تحت عنوان (أنواع الفيلم السينمائي وخصائصه)، مع تركيز على السينما العربية والسورية.
هنا أعود أيضاً للفيلم الوثائقي فوق الأرض فهو مشروعي المهني المطلق اليوم، كما أريد من منبركم شكر كلّ من ساهم في دعم هذا المشروع، وخصوصاً أثناء تصويري في سورية، وزارة الخارجية والمغتربين، وزارة السياحة والاتحاد الوطني لطلبة سورية فرع دمشق، إضافة إلى جهود الجالية السورية في أوكرانيا ومجموعة من الشركات الخاصة سنذكر أسماءهم ضمن عرض الفيلم وعلى البوستر الإعلاني. شكراً لكم.

نور محمد حاتم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار