العـــــدد 9551
الإثنــــــين 16 آذار 2020
«اصرف ما في الجيب ..يأتك ما في الغيب» لطالما سعينا به في عيشنا حتى وإن اشتدت الأيام بخناقها علينا وأفلسنا في تلبية حاجاتها فليس للشح أن يدخل بيوتنا ولا للبخل، أما وقد ألقت الدنيا بأثقالها على أولادها وجميع ناسها ليكثر المتسولون وتزداد الحاجة والسؤال، فلا نعرف بينهم المحتاج و الفقير من البخيل حتى الذي جاء يتسول في بيته من الزوجة والأولاد فيعيش أهله في جحيم..
* أم جنى، موظفة قالت: (إن دخل الفقر من الباب خرج الحبّ من الشباك) واليوم كلنا فقراء، لو كان كذلك لجميع الأزواج اليوم قد تفرقوا لصعوبة هذه الأيام وجورها والتي تصعب فيها الحياة، بازدياد الأسعار وشح موارد المال بين أيدينا غير من راتب سقيم لا يقدر أن يلبي حاجاتنا اليومية، فبتنا فقراء ومجبرين في التقتير والتحجيم عن بعض الأغراض إلا الضروريات والأولويات التي تبقينا على قيد الحياة، وهذا ليس بخلاً بل حاجة لهذا الزمان ونتحايل عليه لنعيش، ونحن نصبر ونصابر أولادنا على هذا الوضع ونبث فيهم الطمأنينة بأن الفرج قريب وأن لهم في الأيام القادمات الكثير من السعادة والبحبوحة.
* نهى، طالبة جامعية: أشارت بأنها أحبت زميلها الوسيم في الجامعة وتمت خطوبتها له بعد سنتين من التعارف، هي من عائلة ميسورة وكان هو يبدو وعائلته بأقل منهم ولم تهتم للأمر، وظنت به فقراً لقصر يده عن الهدية أو شراء أي حاجة، وبدأت تسانده وتتعفف عن طلب أي شيء تبغيه صوناً لكرامته وحفاظاً على مشاعره، وتأتيه بالهدايا بدلاً عنه، حتى أنها تدفع الحساب إن دخلا الكافيتريا وهو لا يغلب نفسه أن يضع يده في جيبه خفية أو يدعي الدفع بكبرياء، وإن حضر إلى بيت أهلها فهو أغلب الأحيان فاضي اليدين، وإن كلف نفسه أحضر بعض الخضار أو الفاكهة من أرض والده (ببلاش) وملامح السعادة تبدو على وجهه وكأنه قد أفلح في فحصه، أو (جاب الديب من ديلو) تقول: ضقت به ذرعاً بعد أن مضت كل المناسبات والأعياد ولم أجد منه هدية غير وردة برية ولأجل الحبّ كنت قد صبرت، إلى أن رأيته صدفة يخرج من البنك وبيده دفتر حساب، عندها فاجأته بوجودي ليتصبب العرق من جبينه وتضيق أنفاسه ولما سألته ماذا كان يفعل في الداخل؟ ردّ بخناق: كنت أضع بعض المال لأجل الزفاف، وأخذني (بالعبطة) ببعض الكلام المعسول والمغزول الذي لا ينفع، لكن بعد انصرافي عنه بدأت التفكير ولم يهدأ بالي في الأمر، فبتّ أضعه في مواقف أتبين بها أمره، ولطالما كان يخسر، وعرفت بعد صول وجول بين أقرانه وأقربائه بأنه بخيل وكثير التقتير ولديه من الأراضي والبيوت ما يعيشه ملكاً لكنه يحرم نفسه من التمتع بها، ولم أكن لأتركه في سبيله حتى يدفع كامل الحساب فأدخلته عنوة لأحد المطاعم الفاخرة بعد أن كان بمواجهة الأمر الواقع في محل الألبسة واشتريت أغلاها ثمناً ودفع بتوصية مني سأرده له، وفاتورة المطعم ضربت الدم في رأسه وأظنه فقد وعيه، بعد أن تركته مع المحاسب وأنا طرت إلى البيت بعد أن أودعت في جيبه ورقة كتبت فيها: هذه النهاية يا شاطر.
* سارة، ربّة بيت: أشارت بأنها تحمل إجازة في العلوم لكن زوجها مستور الحال ولا يريد لها أن تتعب في الوظيفة وتكفيها أعمال البيت وتربية الأولاد، وهي جاءت على توصيته ولم ترفض طلبه، لكن مع مرور الأيام كان دائماً يأتي على ذكر زميلاته وزوجات رفاقه في لباسهن وأناقتهن ويؤنبها بين الحين والآخر ولم يكن ليخفى عليها مثل هذا الأمر ويسمعها ترنيماته، ولم يكن عليها بخيلاً ويمكنها شراء كل ما تشتهيه، لهذا كانت تذهب إلى السوق بين الحين والآخر وتأتي بكل ما تحتاجه ولا تحتاجه لتصرف كل ما في جيبه بل أنها تزيد في طلباتها وتنال أعلاها، لتكون على ما يريد، وهي تخاف أن يأتيها يوماً ويريد الزواج، لهذا لا تترك في جيبه ليرة، وجاءت هذه الأيام العصيبة لينادي بها كل وقت أن تلّم يدها قليلاً وتبخل على نفسها لكنها لم تعد قادرة على الأمر والخوف ما زال يقبع فيها.
* أم جوى، مدرّسة، قالت: إن أبغض وأمقت ما في الرجل من صفات هو البخل، لقد تزوجت من رجل بأملاك وأموال ظننت أن سأحيى بها ملكة في بيتها، بداية الأمر ظننته يكذب علي لو لم أر صكوكاً وعقود الشراء، فقد كان يقتر في مصروف البيت والأولاد ويكفّ يده عن الشراء ولا يحمل شيئاً عند عودته للبيت كباقي الآباء والأزواج، ويردد على مسامعنا (ما معي خلص الراتب) فيبكي الأولاد، ومصروفهم للمدرسة قليل بالنسبة لرفاقهم، وإذا ما طلبت حاجة لهم من الملابس أو شيئاً من لوازم البيت تمنع وأجل إلى أن ينسى، وكثيراً ما نكذب و نزيد عليه لنأخذ جزءاً مما تيسر، وقد أضطر لأخذ ما أجده في جيوبه عند غسل ملابسه ولا يسأل إذ لا يعلم أين وضع ماله وخبأه وكم معه؟ لقد صبرت عليه لأجل الأولاد وأصرف كل راتبي لكنه لا يكفيهم لحاجاتهم في المدرسة والمدرسين وغيره لأجل الغداء، بل هو يسألني عن طعامه وأين اللحومات؟ إنه كابوس أصحو عليه كل يوم، ولا شكر ولا امتنان حتى أنه يبخل علينا بكلمة حلوة، فالبخيل هو بخيل بكل شيء حتى بمشاعره وأحاسيسه، ولا يرى سعادته بغير جمع المال وأقول له: وفرّه لأجل أصهارك وأولادك، وعش بحسرة وضيق الله حارمك (بكرا بتموت).
هدى سلوم