الحلول مسؤوليتنا فهل نجيد صناعتها

العدد: 9548

الأربعاء: 11 آذار 2020

مهما حاولنا أن نكون موضوعيين، فإنّ جانباً ما من تفكيرنا سيأخذنا إلى سراديب المصلحة الشخصية حيناً، وإلى استثناء أنفسنا من (الاتهام) بأي خلل أو تقصير معظم الأحيان…
لن نكون (أداة صالحة) في معركة بناء الوطن إلا إذا انقلبنا على أنفسنا، واستطعنا بشكلٍ أو بآخر أن نروّض (الوحش) الموجود في داخلنا، والذي يأكل ولا يشبع، و(يهوش) إذا ما اقترب منه ما يضايقه..
وقبل أن يتصدّى لنا أحدٌ، نكمل فرضيتنا فنقول: هناك أناسٌ طيّبون، غيورون، محبّون لكلّ ما هو خير، مستعدّون للبذل دون مقابل، مبادرون دون أن يُسأَلوا، متطلعون لمستقبلٍ أفضل لهم ولوطنهم، قادرون على تحقيق شيء ما، لكن ما نسبتهم، وأين هم، وهل تنصفهم الفرصُ، وهل يجدون الفضاء الذي يحلّقون به، وماذا يُعطَون، ومن ينحاز لهم، وكيف يتمّ دعم محاولاتهم.. إلخ؟
لا ننطلق من (عالم افتراضيّ)، ولا نركب (الكثبان الرملية)، وإن بدا كلامنا أكبرَ من حلمٍ، وأكثرَ من خيالٍ، ولكن لماذا لا نجرّب، وبدل الاستمرار بـ (النقّ) لنحاول ولو لمرّة واحدة أن نكون منتجي حلول؟
في فسحةٍ من وقتٍ، وعلى أجنحة رغبة حقيقية، ليبدأ كلّ منّا على سبيل المثال أن يتخلّى ليومٍ واحدٍ فقط عن بعض عاداته (الترفيهية)، فلا يشرب قهوة ولا متّة، ولا شاياً ولا أركيلة، ولا دخاناً، ولا مكسّرات، وليعتبر نفسه (صائماً)، وليحسب كم وفّر بهذا اليوم، وليضرب الناتج بـ (4)، فسيجد أنّه وفّر خلال شهر ثمن ما كان يشكو عجزه عن شرائه (كيلو لحم أو سمك أو فروجين)، وهذا كافٍ للخروج من هذه الشكوى…
سبقنا غيرَنا إلى الاعتراض على الآلية الجديدة التي اعتمدت في تحديد استهلاك (الأنترنت)، ولكن ليكن ذلك إيجابياً، ولنستثمره جيداً، فنطلب من أبنائنا نزع السمّاعات من آذانهم لمّدة ساعة أو ساعتين، فنوفّر بعض (الميغابايتات)، وبذات الوقت نستغلّ هذه الساعة في التعرّف على بعضنا من جديد فنكسب (حسنة) قد تفينا في القادمات..
المسافة من حيّ الحمام مثلاً إلى شارع الثورة في اللاذقية أقلّ من (3كم)، وأمام الموظف في مؤسسة المياه أو في مركز هاتف تشرين أو جريدة الوحدة أو في جامعة تشرين خياران: إما دفع أجرة ميكرو أو تكسي، والشكوى من غلاء أجور النقل وعدم التقيّد بالتعرفة أو عدم تشغيل العدّاد، والدخول في حسابات مالية معقّدة على مدار الشهر مضروبة أيامه بعدد الأولاد ذهاباً وإياباً، وإما (الخيار الثاني) القناعة بأنّ الرياضة علاوة على أهميتها وضرورتها توفّر كثيراً!
أعتذر عمّا تقدّم، ولا أذهب إلى المطالبة بحرمان أنفسنا من كلّ شيء، ولكني أبسّط الطرح تحفيزاً للبحث عن حلول أنا شخصياً لا أنتظرها من أي جهة، وإنما أبحث عنها بأدواتي، وأن تكون من صناعتي، وأي إضافة تأتي من خطط، أو تحت أي عناوين معينة من أي جهة كانت سأعتبرها (نعمة زائدة)، دون أن تُعفى أي جهة من دورها ومسؤولياتها…
في ريفنا الجميل كلّ الخير، لكن قسماً كبيراً من هذا الخير مهدور، أو غير مستثمر بالشكل الأنسب…

بإمكان أيّ من أبناء الريف أن يعود بذاكرته بضعة عقود، إلى حيث كان هذا الريف يغذّي نفسه بنفسه، ويتجاوز الاكتفاء الذاتي إلى القدرة على التدخّل الإيجابي بحياة أبناء المدن أيضاً، لا من حيث السلّة الغذائية وحسب، وإنما من حيث مستلزمات الإنتاج الزراعي، وكلّ ما يتطلبه استمرار الحياة الكريمة لأبنائه، أما الآن فالكثيرون من أبناء الريف يشترون (الهندباء والخبيزة) من الدكاكين، وقد لا تجد في ضيعة بأكملها دجاجة بلدية (تقاقي) عندما تضع بيضها!
هذه التحوّلات (الخطيرة) جزء أساسي من أسباب ما نعانيه، ولو اكتفى الريف (بيضاً على الأقلّ) لكان سعر صحن البيض هذه الأيام أقلّ من (500) ليرة بفعل قانون العرض والطلب.
بناء على هذه (الجزئية)، ولاعتقادنا أن مشاكلنا الحياتية بدأت من الريف، ومن تخليّه عن دوره المؤثر، فإننا على ثقة مطلقة بأنّ ثلاثة أرباع الحلّ هي من الريف أيضاً، فماذا بإمكاننا أن نفعل لنمتلك هذا القدر الكبير من الحلّ؟
إنعاش الريف و…
عندما توافق أيّ جهة على مشروع استثماري لصالح أيّ وحدة إدارية لمجرّد اعتباره (مشروعاً) دون انسجامه مع خصوصية هذه الوحدة الإدارية وخصائصها، أو ابتعاده عن المفردات (الريفية)، فإنّها بذلك تخلط الحلّ بالمشكلة، ولا تكون قد أنجزت أي شيء إيجابي، كأن توافق (على سبيل الافتراض) على إشادة مطعم في قرية (لا تنطفئ نارها)، وكلّ موائدها عامرة لأي ضيف، فكلفة مثل هذا المشروع وخسارته اللاحقة كفيلان أن يراكما مشاكل هذه الوحدة الإدارية، والمتضرر من غياب البديل المجدي هو المواطن الموجود ضمن نطاق عمل هذه الوحدة الإدارية.
ما هو الريف؟
تصنيف الريف خطوة لا بدّ من إنجازها، ووفق تصنيف ما هو ريف وما هو شبه مدينة، يمكننا النظر إلى الحلول بموضوعية أكثر، بحيث يكون الحلّ في مكان وجود المشكلة، لا أن يكون معمل تعبئة المتّة في جيرود و(شرّيبة المتة) في طرطوس، ولكم أن تقدّروا كم يُضاف على سعر عبوة المتة كأجور نقل من مكان إنتاجها إلى مكان استهلاكها…
إنعاش الريف ليس (كهرباء وماء وهاتفاً وأنترنت)، وإنما تخصيصه بكلّ ما ينسجم مع خصوصيته، واستثمار كلّ ما يمكن أن يشكّله من إضافات إيجابية، وعشر بقرات في قرية بعيدة أهمّ بكثير من ألف سلّة غذائية توزّع فيها، وأكثر مردودية اقتصادية من مشغل خياطة أو معمل رخام إذا ما توجّب علينا الاختيار بين هذا وذاك..
لا أحد يأتي إلى الريف ليتناول (سندويشة شاورما) أو وجبة (كريسبي)، ربما أول ما يخطر على ذوق قاصد الريف (منقوشة زعتر، أو قريشة، أو جبنة..) لكن ما يحدث هو العكس، يأتي ابن الريف إلى المدينة، وحين يجوع يبحث عن (منقوشة) لم يعد أبناء الريف يعطونها ما تستحق من اهتمام، أو ربما لم يعودوا يجيدون صناعتها!..
الريف هو ذلك (الغائب) الذي يؤمن أنّ بإمكان (حاكورة صغيرة) وفيها (قنّ صغير) أن تنتج كلّ ما يحتاجه البيت، ويبادل من خلال هذا الإنتاج مع جار لديه بقرة أو بضع غنمات ما ينقصه..
الريف هو أن يكون بإمكان أي قادم منه لزيارة قريب أو صديق في المدينة أن يحمل معه (سلة هدايا) دون أن يتكلّف ليرة واحدة.
الريف هو أن نعود للإيمان بالأرض وبقدرتها على صناعة الفارق، وتوفير ما نبحث عنه في ثنايا الراتب..
التفكير بالحلول المنطقية هو المطلوب هذه الأيام فهل نسير في هذا الاتجاه؟

 غــانــم مــحــمـــد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار