الزواج العرفي يشبك ضحاياه بـ «الكتمان» ويطلق سراحهم بعد الخذلان

العدد : 9548
الأربعاء 11 آذار 2020

 

بعد أن غدرت بهن محطات الزمن والظروف الاجتماعية والمعيشية القاسية لم تجدن ضحيات الزواج العرفي أنفسهن إلا وقد استنفذن جميع فرص الحياة، فلم يكن أمامهن إلا المحطة الأخيرة والتي استثمرت لنفسها عنواناً واضحاً وصريحاً تحت اسم الزواج العرفي الذي يدعي الأمان وتوقيع بلا توثيق، شروطه الكتمان، فقرعن أبوابه من دون تفكير موقعات من دون تمعن، والهدف هو إكمال رحلتهن الاجتماعية بحثاً عن الاستقرار الذي لم تجدنه في كل محطات الحياة السابقة، فكانت الصاعقة انتهاء كل شيء فجأة، فالوقود قد استنفذ لأنه مؤقت، والأوراق مزقت فهي غير موثقة، فإذا بهن ضحايا لذاك الزواج الذي كان الفرصة الأخيرة والتي عندها تكسرت وانتهت جميع أحلامهن وطموحاتهن.

* منال فتاة في الخامسة والعشرين من العمر تسرد قصتها قائلة: أنا من أسرة فقيرة جداً، تقدم لي سابقاً أحد الشبان البالغ من العمر 45 عاماً، وافقت على الزواج منه بحكم ظروفنا المادية السيئة، ولكن للأسف لم أستطع الاستمرار معه عندما أيقنت أن الحياة الزوجية لا تقتصر على الرفاهية فقط، وشعرت بأن هنالك أشياء عديدة تنقضي (الحب الذي تحلم به جميع الفتيات إضافة إلى بعد مستوى التفكير بيني وبينه بحكم فارق السن وأمور أخرى) فقررت الانفصال عنه وحقاً تم الطلاق، وبدأت مسيرتي في البحث عن شريك آخر يعوضني عما فقدته في زواجي السابق، إلى أن وقعت في عشق رجل آخر، ولكنه متزوج فقررت الزواج منه، ولكن كان شرطه عدم إشهاره، وأن يبقى سراً خشية من ردة فعل زوجته والمجتمع وأولاده، وقد قبلت بالشرط والزواج، ومع مرور الأيام والسنين بدأت المشاكل الزوجية بيننا، فانتهى الحب، وتمزقت الأوراق، وتحطمت أحلامي التي كنت أتمنى أن أعيشها برفقة رجل أحبه يعوضني عن كل ما فقدته، فإذا بي أفقد الحب والرجل والحقوق الزوجية وحتى ثقتي بالآخرين.

لا يصح إلا الصحيح
* تهاني في الـ 30 من العمر، توجه نصيحة لجميع النساء بعدم التورط بأي نوع من الزواج السري أو العرفي بعد معاناتها بتورطها سابقاً على حد قولها: عندما رفض أهلي تزويجي من الشخص الذي أريده تزوجته لفترة زواجاً عرفياً دون أن يدري أحد ولكن الكارثة بدأت عندما حملت بطفل من زوجي وهنا لم يكن أمامنا إلا القيام بإعلان زواجنا وتثبيته بعد معاناة وإجراءات استغرقت وقتاً إضافة إلى مشاكل مع الأهل والمجتمع، نجحنا أخيراً بتثبيت وإعلان زواجنا، ولكن صدقاً هناك فرقاً شاسعاً بين الزواج العرفي والزواج الرسمي، فلم أشعر لاحقاً وبعد إعلان زواجي وتثبيته بالخوف والقلق الذي كنت أعيشه سابقاً سواء في مواجهة المجتمع أو أهلي أو حتى المستقبل بما يخصني ويخص أطفالي، وها أنا الآن أكمل حياتي بهدوء وطمأنينة فلا يصح إلا الصحيح، ودائماً الوضوح أفضل من الغموض في أي مشروع من مشاريع حياتنا التي تنوي الإقدام عليها والاستمرار بها.
مع المختصين
وحول هذه الظاهرة وأسباب انتشارها، ولنشر الوعي بين أفراد المجتمع للحد من مخاطر انتشار حالات الزواج المنقوصة الشروط، ولفهم شروط الزواج بشكله الصحيح بما يضمن الحياة الكريمة والحقوق الشرعية لكلا الطرفين من جهة، وللأولاد من جهة أخرى، كانت لنا وقفة مع نخبة من المختصين في علم الاجتماع والقانون.

المرأة هي الخاسر الأكبر
* هند العقيبة دكتوراه في قسم علم الاجتماع كلية الآداب جامعة تشرين تقول: قبل الحديث عن الزواج العرفي لابد من إيضاح مفهوم الزواج بشكل عام، والذي هو اتحاد وارتباط بين الرجل والمرأة يقره الشرع والمجتمع، ويعترف به القانون، ويتطور على هذا الارتباط حقوق وواجبات مترتبة على كلا الطرفين، وتضيف الدكتورة العقيبة: هذا الزواج ليس ظاهرة جديدة، وإنما موجودة في أغلب المجتمعات ومن ضمنها المجتمع السوري والزواج العرفي مأخوذ من كلمة العرف أي ما هو متعارف عليه وبنظرها هو شكل من أشكال الزواج مستوفي الشروط كالقبول والإيجاب وموافقة الولي والشهود وغيرها ولكنه غير موثق رسمياً في المحاكم الرسمية، وهذا ما يجعله مختلفاً عن الزواج المتعارف عليه، موضحة أنه عندما يفتقد الزواج لأحد هذه الشروط وخاصة الإشهار عليه يصبح زواجاً غير صحيح، وعن أسباب اندفاع الشباب وتوجههم نحو الزواج العرفي أو انتشار هذه الظاهرة تقول الدكتورة هند: هناك أسباب عديدة من أهمها عدم وجود الوعي الكافي لعواقب هذا النوع من الزواج، وخاصة في حال تم احتكاره من قبل الزوج، وعدم الاعتراف به فيما بعد، إضافة إلى الرغبة في إشباع الرغبة الجنسية لدى الشباب ضمن إطار الشرعية، وخاصة أننا في مجتمع لا يبيح إقامة مثل هذه العلاقات خارج إطار المؤسسة الزوجية، وغياب دور الأسرة في توعية الأبناء لأصول الزواج الصحيح، وعدم قدرة الشباب على تحمل تكاليف الزواج، وتهرب بعض الشباب من المسؤولية ورغبة عدد من الأزواج في إبقائه سراً خشية معرفة الزوجة الأولى للحفاظ على حياتهم الزوجية.
كذلك من أسباب إقبال الشباب على هذا النوع من الزواج عدم موافقة أهل أحد الطرفين بتزويجهما لعدة فروق وخلافات كالاختلاف في المكانة الاجتماعية أو المستوى التعليمي أو الدين وغيره، وأمام هذا الغرض يبحث الشباب عن حل ويكون هذا الحل هو الزواج العرفي، وبالنسبة للمطلقات والأرامل بنظر الدكتورة هند: تتعدد أسباب إقدامهن على الزواج العرفي، فقد يكون الخوف من الوحدة، والحاجة إلى السند دافعاً مهماً للإقبال عليه، إضافة إلى الخوف من فقدان حضانة الأولاد والميراث في حال تم الزواج، وتشير العقيبة إلى مخاطر الزواج العرفي مؤكدة أن الخاسر الأكبر في معادلة الزواج هذه هي المرأة، وخاصة في حال حدوث حمل وإنجاب أولاد، فقد يصبح مصيرهم في مهب الريح إذا أنكر الزوج زواجه لتصبح المرأة في نظر المجتمع زانية والأولاد مجهولي النسب وتبدأ رحلة المعاناة للمرأة وزوجها.
وترى الدكتورة هند أنه قد يكون لهذا النوع من الزواج إيجابياته وخاصة فيما يتعلق بضبط الغريزة الجنسية وبإشباعها ضمن إطار شرعي، إلا أن سلبياته ومخاطره تكمن في عدم توثيقه في المحاكم الشرعية، وعدم الاعتراف به من قبل أحد الطرفين وخاصة في حالات الحمل والإنجاب، لذلك تشدد الدكتورة هند العقيبة على ضرورة وأهمية إقامة دورات وبرامج توعية عبر وسائل الإعلام باعتبارها بمتناول الجميع وذلك من خلال عرض حالات زواج مستنبطة من الواقع وتبيان نتائجها السلبية ومدى خطورتها على تفكك وضياع الرابط الأسري والحقوق الشرعية للمرأة والأطفال في حال عدم توثيقه أو عدم اكتمال شروطه بالشكل الصحيح.

زواج صحيح ولكن!
المحامي الأستاذ هيثم عكو يرى أن الزواج العرفي هو زواج صحيح وفقاً للعادات والتقاليد والأعراف بتكامل شروطه وأحكامه (المهر ووكيل الزوجة والشهود) والزواج الرسمي هو نفسه الزواج العرفي المتكامل الأركان والشروط ولكنه زواج ثابت التاريخ والمعلومات عن طرفي العقد (اسم الزوج واسم الزوجة وأسماء الشهود واسم الوكيل إضافة إلى مقدار المهرين) ويكون له رقم ووثيقة من حيث التاريخ والسجل واسم وتوقيع كاتب المحكمة (منظم العقد) واسم القاضي الشرعي، ويضيف الأستاذ عكو: في حال تواجد زواج عرفي وقام أحد الطرفين بالمطالبة بالحقوق الزوجية أمام القضاء يحتاج المحامي الوكيل إلى تثبيت الزواج العرفي أولاً ومن ثم المطالبة بحق موكله تجاه الطرف الخصم كالمطالبة بنفقة الزوجة أو سكن شرعي لها أو غيره من الحقوق الزوجية، وأشار عكو إلى عدد الدعاوى الزوجية التي وكل بها لتثبيت الزواج العرفي على مدى عشرين عاماً والتي بلغت حوالي 120 دعوى، مؤكداً أن دعاوي تثبيت عقود الزواج العرفي ذات كم هائل وكبير في سجلات المحاكم الشرعية في المحافظات السورية، وقد زاد عددها في فترة الحرب الإرهابية الكونية التي تعرضت لها البلاد ،وما نتج عنها من حصول زيجات عديدة لم تسجل بوثائق سجلات النفوس، واحتاج أطراف العقود إلى تثبيتها بعد مرور عدة سنوات، وبعد أن أصبح لطرفي العقد أبناء وهنا كان لابد من إقامة دعوى تثبيت زواج ونسب للأولاد أيضاً.
وعن أسباب توجه الجنسين للزواج العرفي يقول عكو: إن أبرزها عدم موافقة وكيل الفتاة تزويج ابنته من المتقدم لها للزواج أو بسبب عدم وجود وكيل للفتاة كأن يتزوج الشاب الذي سافر خارج البلاد من فتاة لا وكيل لها فيلجأ لعقد زواج عرفي ومن ثم يقوم بتثبيته وزوجته عند عودتهما إلى البلد إضافة إلى زواج الذكر الراشد من الأنثى القاصر وبمعرفة وكيلها أو ذويها وزواج المسيحي من مسلمة والذي لا يود إشهار إسلامه أمام الكنيسة لذلك يبقى على الزواج العرفي.

تثبيت الزواج العرفي
وكشف المحامي هيثم عكو بأن القانون السوري منع إجراء عقد زواج من قبل المحامين ورجال الدين خارج المحاكم الشرعية، ومن يفعل ذلك يخضع لعقوبة جزائية، وأما طرفا عقد الزواج فيخضعان لعقوبة مالية (مخالفة مالية)، وعن كيفية تثبيت الزواج العرفي في المحاكم الشرعية أوضح عكو أن هناك أشكالاً عدة ومختلفة لتثبيته كتقديم معاملة إدارية بين الزوج ووكيل الزوجة البكر أمام القاضي الشرعي وهنا تتم الإحالة إلى قسم الشرطة ويتم تنظيم ضبط إداري بحضور الطرفين وأخذ إفادة شاهدين مع ذكر مقدار المهرين (المقدم والمؤخر) ويتم إرفاق الضبط بإخراجات قيد مدنية للطرفين وشهادة مختار ومن ثم موافقة القاضي الشرعي، ويضيف الأستاذ هيثم قائلاً: من حالات تثبيت الزواج أيضاً إقامة دعوى أمام القاضي الشرعي من قبل أحد الطرفين وإبراز إخراجات قيد النفوس للطرفين والعقد المكتوب على ورقة أو المشافهة بسماع إفادة شهود العقد وبالتالي يتم صدور قرار شرعي عن المحكمة لتثبيت عقد الزواج الحاصل سابقاً بتاريخ سابق، وأشار عكو إلى كيفية تثبيت الزواج في حال رفض الزوج تثبيته عند حمل زوجته فهنا تلجأ الزوجة الحامل إلى إقامة دعوى تثبيت الزواج العرفي، ويكون القرار حتماً بتثبيته في دائرة السجل المدني وفقاً للقرار الشرعي وكذلك نسب الطفل بناء على واقعة الزواج المثبتة بموجب القرار وواقعة الولادة.

الرأي الشرعي
* الشيخ إبراهيم يوسف، خطيب جامع في مديرية أوقاف اللاذقية يرى أن الزواج العرفي يطلق على علاقة بين رجل وامرأة، إذ تقوم امرأة بتزويج نفسها بدون موافقة أو علم أهلها، ويتم عادة بالسرية، ويكون بإحضار شخصين كشاهدين وثالث يكتب العقد، ويضيف الشيخ يوسف قائلاً: للزواج العرفي نوعان، الأول ما كان يتم في السابق من زيجات أو عقود زواج على ورق وهذا يتم برضا الزوج والزوجة ووليها وبحضرة الشهود إضافة إلى إعلانه بين الناس، وهذا ما كان يتم سابقاً منذ بدء الإسلام وما زال سائداً في عدد من القرى والأماكن وهو زواج صحيح لتوافر أركانه، أما الزواج العرفي الثاني يكون عادة على ورق أو بدونه بين رجل وامرأة بحضرة الشهود ولكن بدون ولي وبدون إعلانه، فالبعض يحرمه ويستدل عليه بقوله تعالى (فانكحوهن بإذن أهلهن) وعن أسباب توجه الشباب نحو الزواج العرفي يؤكد الشيخ إبراهيم أن الأسباب الاقتصادية وما يتعلق بموضوع البطالة من أهمها إذ أن الزواج يحتاج مبالغ كبيرة لتأسيس منزل للزوجة في حين أن الزواج العرفي لا يكلف سوى ورقة مشيراً إلى الأسباب الاجتماعية كالعادات والتقاليد التي تتمسك بها الأسر ومغالاة المهور التي تشكل عبئاً على الشبان، وهنا يضطر بعضهم للزواج عرفياً إضافة إلى وجود عدد كبير من المحامين يسهلون عقود الزواج للراغبين به، وبالنسبة لتثبيت الزواج العرفي يوضح يوسف أنه إذا أنكر الزوج زواجه يتم تثبيته بطرق أخرى كشهادة الشهود وفي حال عدم نكرانه له يتم إثباته عن طريق المحاكم الشرعية وينقلب إلى زواج رسمي يلزم كل طرف بالتزاماته.

وأخيراً
بين جملة من التناقضات والأحكام التي يتأرجح ضمنها أطراف الزواج العرفي أو حتى المقبلين عليه لسبب ما والتي تبلورت حول صحة الزواج العرفي في حال اكتمال شروطه من جهة، والعقوبات التي فرضت على طرفي الزواج العرفي وكاتبي عقودهم من محامين أو رجال دين من جهة أخرى، وهنا يستوجب علينا التفكير والوقوف عند بعض الإجراءات التي اتخذت حيال موضوع الزواج العرفي.
ففي العهود الماضية لم يكن هناك وجود للمحاكم الرسمية التي تعتبر الآن محوراً أساسياً في قضية الزواج وتثبيته لضمان الحقوق الزوجية وحقوق الأولاد فهل كان الزواج سابقاً منقوصاً وغير جائز كونه غير موثق بشكل رسمي وما هي السبل التي اتبعت لضمان حقوق الطرفين أو حتى حقوق ونسب الأولاد.
وإن كان الزواج العرفي بنظر الشرع والقانون حلالاً وجائزاً في حال اكتمال شروطه التي ذكرناها إلا أنه منقوص لعدم توثيقه بالمحاكم الرسمية لما نظمت تلك العقوبات بحق الزوجين أو بحق منظمي وكاتبي عقود الزواج العرفي سؤال برسم الجهات المعنية بالقضية المذكورة.

جراح عدره

تصفح المزيد..
آخر الأخبار