المرأة الســـورية… عاملـــة معيلــــة

العدد : 9548
الأربعاء 11 آذار 2020

 

 

المرأة نصف المجتمع والوجه الآخر له, وهي صورة واقعية لمعضلات الحياة وصعوباتها وكوارثها, والمرأة السورية امرأة مكافحة تتقن واجباتها داخل منزلها وتؤدي عملها الوظيفي بإتقان, أنثى تضج عزيمة وطموحاً وتأبى أن تكون تاء مربوطة أو ساكنة أو مكسورة الجناح, تفعل المستحيل في هذا الزمن الصعب، وقد اختصرت المسافات والزمن، وافتتحت نوافذ جديدة يشع منها نور إرادتها وبريق تصميمها، وانطلقت إلى ميادين العمل لمساعدة ودعم مجتمعها الذي يستعجل النهوض بعد سنوات الإرهاب العجاف التي استهدفت جميع شرائح ومكونات الدولة والمجتمع وفي مقدمتها المرأة التي تعرضت للويلات ودفعت ضريبة باهظة من جسدها وأبنائها وجهدها وصحتها.

لكل مجتمع قيمه وتقاليده وأعرافه المختلفة السائدة, ومحظورات عمل المرأة تحددها العادات والتقاليد التي تمنعها من ممارسة العديد من الأعمال والمهن التي بمقدورها ممارستها, وتعززها النواحي الدينية والأخلاقية التي تتدخل بكل شيء بحياتها ولباسها وطعامها وشرابها وخروجها من المنزل, وبالمحصلة إذلالها وانتقاص كرامتها وانتهاك إنسانيتها, تعيش مجبرة على الحياة على هامش المجتمع مستلبة الإرادة مكبلة بأغلال العادات والتقاليد في التعامل والسلوك والشكل والقول والفعل وليس لها إلا أن تركن في منزلها متراخية اتكالية متكاسلة كما قولبها الدهر وظروفه وصروفه, ناهيك عن معاناتها من الفكر المتطرف الذي جر الويلات على الوطن والمجتمع والأسرة والرجل والمرأة والطفل.
على مر العصور كانت المرأة هي الضحية الأولى للحروب كونها عماد الأسرة والمجتمع والحرب الإرهابية المجرمة والحصار الاقتصادي القذر والفقر الذي يوجع غالبية أبناء شعبنا دمروا مقومات الحياة للمجتمع والأسرة والمرأة في المعيشة والعمل والسكن والكثير من الأخطار المحدقة بالمرأة كالسبي وسوقهن جواري وإماء وقطع رؤوس البشر وكمية كبيرة من الآلام والثكالى والأرامل واليتامى وفقدان المعيل والعشير وقطع رؤوس الأطفال في أحضان أمهاتهن وبقر البطون والأرحام.
عندما يتحرك الهم النائم فوق حبة القلب من يوقفه؟! مشاكل الفقدان والخسارة فاقت الخيال وعندما تتعب المرأة تتعب الأسرة ويتنغص عيشها, أحياناً يتربص القدر بالمرأة ويسرق شريك حياتها ومعيل أطفالها, أسئلة صعبة كثيرة مؤرقة يتركها الرحيل والفراق الأبدي ما يخلق الكثير من النتائج السلبية على حياة المرأة والأسرة ومتطلبات الحياة وتلبية مطالب الأولاد بعد رحيل والدهم وأمور الحياة قاسية لا ترحم وتقصم الظهر, هناك نسوة أصبحن المعيلات الوحيدات لأسرهن.
الحياة تفقد قيمتها ومعناها إذا استسلم الإنسان لليأس والتسليم بالأمر الواقع, والتحسر على الزمن الماضي الضائع, هو مزيد من الزمن الضائع, والمرأة السورية تمضي باندفاع إلى العمل الذي يحميها، ويجعلها تعيش بكرامة بعيداً عن مدّ يدها للآخرين وانتظار المساعدات والهبات والتبرعات والإقامة في أماكن الإيواء, امرأة صابرة مكافحة لم تستسلم للظروف، تربي وتعلم أولادها، وتعمل في المنزل، وتحارب الظروف القاسية القاهرة في جميع مواقع العمل، وتساهم في سد نواقص العمالة والكوادر البشرية, وتعمل خارج المنزل في المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية المختلفة وتحت سياط العوز والفقر مضت إلى الأمام واقتحمت مهناً غير تقليدية وحتى المهن التي كانت لا تليق بأنوثتها دفعتها ضغوطات الحياة إلى ممارستها برغبة وتفان وإتقان, وأمام ضيق خيارات العمل نراها عاملة نظافة في الشوارع وسائقة سيارة أجرة وبائعات منتشرات في الأسواق، تجلس وراء المقود في السيارات الصفراء التي تجول في شوارع المدن لإيصال الناس إلى أي مكان يريدون, ناهيك عن تواجدها في خنادق وجبهات الدفاع عن الوطن لدحر الإرهاب المجرم عن ترابه الغالي.
إن تقسيم المهن حسب الجنس ذكر وأنثى ولى ومضى، علينا دعم المرأة التي تسعى وتعمل للحصول على لقمة حياة كريمة لها ولأسرتها، وإعادة النظر في الكثير من القناعات والأمراض الاجتماعية البالية، ومنها النظرة الدونية للمرأة في ممارسة بعض المهن التي تعمل بها لكسب لقمة العيش الشريفة، والاعتراف بقدرة المرأة السورية على العمل في أغلب مواقع العمل والإنتاج، وفي جميع مجالات كسب الرزق الحلال دون مضايقتها والنظر شزراً إليها.

نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار