الشاعر قحطان بيرقدار : «الطـِّفلُ في زمنِ الحرب حالةٌ إنسانيـّةٌ خاصـّةٌ» وعلينا أن نزرعُ في داخلـِهِ صـُوراً مشرقةً وأملاً بحياةٍ قادمةٍ أفضل

العدد : 9543
الأربعاء 4 آذار 2020

 

[الطِّفلُ في زمنِ الحرب حالةٌ إنسانيّةٌ خاصّةٌ ، علينا الأخذ بيده للنُّهوض من جديد والسير في اتّجاهِ المستقبل الحافل بالأبهى والأنقى]. فأطفالنا .. هم جيل الغد الذي نعول عليه الكثير من الآمال في بناء سورية الحبيبة، لأنه الجيل الذي أثبت بحق تميزه خاصة في ظل هذه الآلام التي سكنت في حنايا كل بقعة من وطننا الغالي.. لذلك فإن الكتابة في مجال أدب الأطفال في ظل هذه الظروف الصعبة ليست بالأمر السهل، فالكاتب عليه أن يرضي ذائقة شريحة غضَّة نضرة لا تقبل التزييف أو التحايل على مكوناتها الجسدية والنفسية الحساسة .. وهذا ما أكد عليه الشاعر قحطان بيرقدار في مقالته التي نشرت في الشؤون الثقافية لصحيفة الثورة السورية عندما قال: «إنّ القصّةَ أو القصيدةَ أو المسرحيةَ التي تنظرُ كلٌّ منها إلى النِّصف الملآن من الكأس لَهِيَ مفيدةٌ للطفلِ في زمنِ الحرب، وقادرةٌ على مَدِّهِ بمزيدٍ من القوة والعزيمة ليُتابعَ حياتَهُ من جديدٍ وكُلُّهُ أملٌ بالمستقبل، وهذا هو المطلوبُ من أدب الأطفالِ في زمنِ الحرب أنْ ينظرَ إلى النِّصفِ الملآن من الكأس، إلى الشَّمسِ المُطِلّة على استحياءٍ من بينِ الغيوم، إلى القمرِ الذي يلوحُ بريقُهُ من خلفِ السُّحب، فالطفلُ بطبيعتِهِ طاقةٌ من الحيويةِ والأمل والفرح علينا أن نُحافظَ على تَوهُّجِها أكثر فأكثر، فهو فرحةُ حاضرنا وأملُ مستقبلنا». ودعوة القراءة في هذا العدد لأعزائنا الأطفال ، أصدقاء واحة الطفولة – هي دعوة للإبحار في جماليات التخاطب الشّعري الموجَّه للطفل من خلال توليفة متكاملة الصياغة متمثلة في مجموعة شعرية رائعة للأطفال للشاعر المتميز قحطان بيرقدار بعنوان «مِن نَغَـمٍ إلى نَغَـمٍ» ينقلنا عبرها إلى جماليات المكان وجماليات اللغة والصورة الشعرية والتعبير اللفظي بأسلوبٍ وفي لقاموس الأطفال، وهذه المجموعة الشعرية فازت بجائزة الشارقة لأدب الأطفال عام 2008 والتي تتضمن واحداً وثلاثين نصاً شعرياً، تعدّدت أغراضها وموضوعاتُها وبنياتها الفنّية والإيقاعية ، فنراها تؤكد على قيم مدروسة، من خلال أهداف اجتماعية وتربوية وإنسانية ، حرص الشاعر على صوغها بأسلوب يرقى بذائقة الطفل الشعرية ويعبر عن خبايا عالمه المليء باللمحات الطفولية النقية . وعن هذه المجموعة الشعرية يقول الشاعر : تضم مجموعتي الشعرية للأطفال «من نغم إلى نغم» باقة من القصائد التي كتبتها للأطفال أثناء عملي في إحدى شركات الإنتاج الفني للأطفال مؤلفاً لأغنيات الأفلام والرسوم المتحركة وشاراتها، وتتميز هذه القصائد بمراعاة الجانب البصري والصور المتحركة والقصص الشعرية الخفيفة والقيم التربوية المهمة وما إلى ذلك مما ينبغي توافره في الشعر الموجه إلى الطفل، وقد حصلتْ «من نغم إلى نغم» على المركز الأول في جائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2008.

 

 

ويوجز الشاعر تجربته في الكتابة للأطفال في أحد اللقاءات معه قائلاً : «أنا لم أجرّب الكتابة للطفل إلا عندما دخلت الحياة العملية من خلال تجربتي مع إحدى القنوات الموجهة للأطفال وهنا كان لابد من أن أكتب للأطفال، في البداية وجدت صعوبة في الوصول إلى نصّ طفلي جيد، لكن مع الوقت بدأت أحقق نصوصاً جيدة وأصبح لديّ القاعدة التي تؤهلني لمخاطبة الطفل، فأنا أحاول أن أقدّم ما يلامس الطفل مباشرة ولنتركه يحدد ما يريد ببعض التوجيه والمراقبة البسيطة لنحصل على نتيجة إيجابية معه» .
أما رأيه حول المطلوب من أدب الأطفال في زمن الحرب؟ فيمكننا تلخيصه بالنقاط الآتية التي أوردها في مقالته المنشورة في صحيفة الثورة بالقول: «في زمنِ الحرب، كالّذي عشناهُ ونعيشُهُ في وطنِنا الحبيب سورية، تزدادُ المسؤوليّاتُ المُلقاةُ على الأدبِ المُوجَّهِ إلى الطفل، وتَتعمّقُ، فالطِّفلُ في زمنِ الحرب حالةٌ إنسانيّةٌ خاصّةٌ، تحتاجُ إلى عنايةٍ خاصّةٍ، فهو قد رأى وعايشَ كثيراً من المآسي والحرمانات، وأصبحَ في افتقارٍ شديدٍ إلى حاجاتٍ كثيرة، لعلَّ أهمّها حاجته الماسّة إلى الشعور بالأمن والسلام والطمأنينة والسعادة، مِن هُنا فإنّ على الأدب المُوجَّه إلى الطفل في هذه المرحلة أن يُلبِّيَ هذهِ الحاجةَ لدى الطفل على أتمِّ وجهٍ، وأن يُوظِّفَ طاقاتِهِ كُلَّها في سبيلِ دعمٍ نفسيٍّ حقيقيٍّ للطفل، وفي سبيلِ إعداد هذا الطفلِ ليتعافى، وينهضَ من جديد، ويُتابعَ حياتَهُ بصورةٍ نفسيةٍ سليمة وبشخصيةٍ مُعافاةٍ تكونُ قادرةً على العطاء، كيف لا وهو زهرةُ الوطن وأملُ مستقبله؟!».
ومن قصيدة له بعنوان : «مِن نغمٍ إلى نغم» ، نقتطف :
هَفَتْ أُذُني إلى نَغَـمٍ
يَزِيدُ القلبَ تَـحلِيقا
ويُـحزِنُـهُ ويُفْـرِحُـهُ
ويَشْـفِـيهِ ويَـجْـرَحُـهُ
فَصارَ الكونُ كُـلُّ الكونِ مُوسيقا…
وألـحانٌ تُرِيني رَوعةَ الشَّاطِـئْ
وضَوْء البَدْرِ يَغْمُـرُني
وألـحانٌ تُسافرُ بـيْ إلى القمـرِ
وألـحانٌ تُرِيني النَّـهرَ والـمَرْعى
وغُصناً مالَ بالثَّـمرِ…
ومِنْ نَغَـمٍ إلى نَغَـمِ
ومِنْ حُلُـمٍ إلى حُلُـمِ . . .
إنها مجموعة جديرة بالقراءة مع التركيز على الصور الشعرية والحوارات التي لاتخلو من جماليات لغوية ولوحات فنية عبر مشاهد تصور المشهد الشعري بريشة فنان مبدع ولا نغفل المضمون الشيق والممتع وما يقدمه من قيم أخلاقية سامية تتجلى بأسلوب راقٍ . ومن المؤكد أن هذا الإبداع له جذوره ، فالشاعر قحطان بيرقدار قد قطع مشواراً عامراً بالعطاء في مجال الأدب الموجه للطفل فحين نتصفح سيرته الثقافية نجدها مفعمة بالإسهامات الفاعلة في المشهد الطفولي فهو أديب وشاعر و عضو اتحاد الكتاب العرب،وقد صدر له عدد من المجموعات الشعرية والقصصية للكبار وللأطفال، خبير في التدقيق اللغوي وإعداد البرامج وكتابة النصوص والأناشيد للأطفال والفتية والكبار.. وقد حصل على المركز الأول في «جائزة الشارقة للإبداع العربي» في مجال أدب الطفل، عن مجموعته الشعرية «ومِن نغمٍ إلى نغم».
و يشغل حالياً منصب رئيس تحرير مجلة أسامة الموجهة إلى الطفل التي يقول عنها : «مجلة أسامة مجلة سورية عريقة موجهة إلى الأطفال، والعمل فيها مسؤولية كبيرة، وقد أعطيتُ المجلة كثيراً من وقتي وجهدي، وأعطتني كثيراً من الفائدة من حيث صقل تجربتي في مجال العمل للأطفال ورفدها بمزيد من الخبرات والمهارات» . ومن قصيدة له بعنوان «أدواتُ الحُلُمِ الأكبَر» نشرت على صفحات مجلة أسامة نقتطف:
حَوْلي اجْـتَـمَعُوا
في أعيُنِـهِـمْ تلمعُ بالأملِ النَّجماتْ
كُـلٌّ يرغبُ في أن يُـهْدِيَني كلماتْ…
قالَ الدَّفترُ:
في صَفَحاتي سوفَ تُدوِّنُ خيرَ سُطورْ
تَحفَظُها في قلبِكَ أيضاً حتّى يسطعَ منكَ النُّورْ
غنّى قلمي:
بي ستَـخُطُّ إلى الـمُستقبلِ أجملَ دَربْ
خَـطُّكَ حُلْوٌ
فَاكْتُبْ بي أنْ ليسَ أمامَكَ شيءٌ صَعبْ!
قالتْ مِسْطرَتي:
ستُسَطِّرُ بي في أُفقِ العِلْمِ العَزْما
رَدَّتْ مِـمْـحاتي:
وستَـمْـحُو بي عن وَجْهِ الشَّمسِ الغَيْمـا
نادَتْ مِقلَمَتي:
وستَـحفَظُ بي أدواتِ الـحُلُمِ الأكبَرْ
وحقيبَـتِـيَ الـحُلْوةُ قالتْ:
طِرْ بي نحوَ فضاءِ طُموحِكَ، واطْـمَـحْ أكثَرْ!
قلتُ لَـهُمْ: قد بَدأَ العامُ
كُـلِّي تصميمٌ، وتَـحَـدٍّ
ثِقَةٌ، إخْلاصٌ، إقْدامُ…
وعن سمات فن الكتابة الجيدة للأطفال ، والطريقة التي يكون فيها هذا الفن محاكاة حقيقية لعالم الطفل ولكن بكثيرمن الحكمة والاهتمام وبمزيد من الحرص على التعامل مع التفاصيل الممتعة لكل مكوناته ، يقول الشاعر : «إنّ أدبَ الأطفال الأجدى بأنْ نُقدِّمَهُ للطِّفل في زمن الحرب، هو ذلكَ الأدبُ الذي يأخذُ بيدِ الطِّفل للنُّهوض من جديد، ويزرعُ في داخلِهِ صُوراً مشرقةً وأملاً بحياةٍ قادمةٍ أفضل، ويُعزِّزُ لديهِ أنّهُ قادرٌ على تجاوز ما مضى ومُتابعة المسير في اتّجاهِ المستقبل الحافل بالأبهى والأنقى، كما يُعزِّزُ لديهِ قيمَ حُبِّ الوطن والدِّفاع عنه والتَّضحية لأجلهِ والشّهادة في سبيله، كلُّ ذلك بأسلوبٍ فنّيٍّ لطيفٍ وبعيدٍ عن أيِّ صورةٍ من صور العُنف والرُّعب والفقد والمأساة وما إلى ذلك، كما يُلبِّي للطفلِ حاجتَهُ إلى الشُّعور بالأمن والسلام والطمأنينة والسعادة، هذهِ الحاجة التي طالما افتقدَها في سنوات الحرب» .
بقي للقول : في ظل هذه الحرب الحقيقية التي تُفرض علينا تحت العديد من الأقنعة والأشكال للهروب من ضفاف الحروب التقليدية … لابد لنا من استخدام أدوات ناجعة كالفن والأدب .. للتصدي لهذا النوع من الحروب و زرع الوعي والإدراك بين أطفالنا والتسلح بالعلم والثقافة والمعرفة والحفاظ على القيم السامية والأصالة في مجتمعنا وليكن هدفنا دائماً أن نزرع بذور الفرح من جديد في قلوب أطفالنا الذين جرحت الحرب طفولتهم البريئة وخربشت أحلامهم الناعمة علنا نعيد إليهم ولو الجزء اليسير من فرحهم الكبير وطفولتهم الجميلة . .. و كلنا يقين بأن الغد سيأتي مزهراً لتبقى سورية حاضرة التاريخ وحاضنة الحضارات .

فدوى مقوص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار