تحت المجهر .. أصحاب الكهف… بتصرف

رقــم العــدد 9539
الخميــــس 27 شبــــــاط 2020

 

حكاية أهل الكهف غنية عن التعريف تداولتها نقوش الأولين وروتها الكتب المقدسة وتفنن في تأصيلها وتأويلها والبحث في تفاصيلها أهل العلم في مجالات الدين والتاريخ والميثولوجية والمخطوطات والآثار والتراث واستنبطت الشعوب على اختلاف مشاربها وثقافاتها من هذه الحكاية عبراً وعظاتٍ وحاكت من حبكة الرواية حكماً وأمثالاً ليبقى السؤال الذي يحير العلماء: أين عاش أهل الكهف وأين يتواجد كهفهم؟ للإجابة عن هذا السؤال أشبع الدارسون على مر العصور الكتب والمخطوطات والرقم والنقوش بحثاً وقراءة وتمحيصاً وتفانى الباحثون على مر السنين في الحفر والتنقيب والتحليل دون جدوى، بقي الكهف وأهله مجهولي الهوية والمكان على الرغم من كثرة المزاعم التي يحاول كل شعب من خلالها أن ينسب مكان الكهف إلى أحد جبال بلده وأن يجعل خانة هوية أهله ممهورة بختم مختار إحدى البلدات فيه.
سألْنا أحد المواطنين السوريين الحكماء عن مكان أهل الكهف فأجاب والثقة تملأ محياه: لو أردتم أدلكم على أهل الكهف عينهم وأشار بسبابته إلى رجل يسعى إلى السوق، هذا واحد منهم استلقى البارحة على سرير نومه تحت خيمة من اللحف والبطانيات باكراً إذ أضحى السهر بعد الساعة الثامنة مساءً ضرباً من ضروب الحماقة أو لوناً من ألوان المكابرة والتعنت فبيته الذي تصر الكهرباء فيه على زيارة الخجل وتعف عن مدفأته وموقده أنواع الوقود ويستنكف الماء عن الرقرقة في صنبوره رغم هدير السيل الماطر في الخارج ويشح في مطبخه أساس القوت أضحى أقرب إلى الكهف منه إلى المسكن وصار النوم طوق النجاة الوحيد في بحر الظلام والقر، ينام صاحبنا ضعف القِسط الذي يتوجب على الأنسي أن يناله فتمر ساعات النوم كأنها دهور يتقلب فيها ذات اليمين وذات الشمال تماماً كأصحاب الكهف الذين كانت العناية الإلهية تقلبهم بينما تقلبه هو نقمة البرد وكوابيس الأحلام، يستيقظ صباحاً ويشد الرحال إلى السوق كي يشتري ما يقيم أوده وعياله مطمئناً إلى أن ما يحويه جيب سرواله من الليرات يفي بالغرض، يقف أمام البقال مشدوهاً بالأسعار التي تلفظها فوه، تتحسس يمناه وريقات المال في جيبه ويحك بيسراه لحيته التي نسيت التشذيب منذ زمن طويل، يسأل البقال كمن يتحدث إلى نفسه: البارحة كان سعر المواد نصف ما تطلبه اليوم فتأتيه صاعقة الجواب: في أي زمن تعيش يا رجل ألا تعرف أن الأسعار قد هرولت في صعود؟ يتحدث صاحبنا إلى سريرته: هل لبثت في كهفي أقصد في سريري يوماً أم دهراً هل نمت البارحة في زمن وأصبحت اليوم على زمن آخر؟
اعتدل المواطن السوري الحكيم في جلسته وتابع حديثه وقد افتر ثغره عن ابتسامة لا تخلو من الخبث: هل عرفتم الآن أين يعيش أصحاب الكهف، في الماضي كانوا ثلاثة أو خمسة أو سبعة ناموا في كهفهم واستمر نومهم دهوراً واستيقظوا في زمن غير زمانهم، اليوم في زمن الحرب ينام الناس في كهوفهم ليستيقظوا كل صباح على زمن غير زمانهم وحال غير حالهم وغلاء غير الذي عهدوه، بالمختصر المفيد الحرب حولتهم إلى أصحاب الكهف… بتصرف، أنهى المواطن السوري الحكيم حديثه وحك لحيته التي نست التشذيب منذ زمن طويل.

شروق ديب ضاهر

تصفح المزيد..
آخر الأخبار