بــــلاد وعبـــــاد ..مســــــــافات…

العدد: 9538

الأربعاء: 26 شباط 2020

مع كل قرار صادر عن وزارة من وزارات الدولة، نرى المشككين بجدواه يعادل عشرات أضعاف المؤمنين بصوابيته، ولا يخفى على أحد أن السبب الرئيسي هو فقدان ثقة المواطن بالمسؤولين عن تدبير حياته، وفقدان الثقة ناتج عن ماهية القرارات أحياناً، و وربما بسبب عجز الدوائر الرسمية عن تسويق قراراتها بشكل يوحي بأنها على حق.
يقول الباحث الاقتصادي السوري شادي أحمد: (قد تقوم بعض الحكومات باتخاذ قرارات في الصالح العام.. و لكن هذه القرارات قد لا تلقى قبولاً لدى المواطنين، فتظهر هذه القرارات و كأنها أخطاء)، ولذلك تقوم الحكومات (المتقدمة) بمشاركة مواطنيها بعملية اتخاذ القرار، وتفتح باب النقاش الوطني لحيثيات قراراتها قبل صدورها وتستمع لآراء المواطنين، وتحترم هذه الآراء سواء توافقت أو تعارضت معها، وإذا أمعنا النظر في هذا الكلام، سنجده ملامساً لحقيقة ما يحصل على الأرض، فهناك قرارات جيدة تتخذ أحياناً، ولكنها لا تصل إلى أذهان كثيرين بسبب غياب الشفافية المطلوبة في أي حدث أو إجراء قد يستنكره المواطن أو يستوحشه.
عندما صدر قرار تحديد مخصصات البنزين بمائة ليتر مدعوم لكل مركبة خاصة، هاجت الدنيا وماجت، وصب المواطنون جام غضبهم على القرار وصاحبه، ولكن بعد مضي زمن على تطبيق هذا الإجراء، لاحظنا أن القرار كان في مكانه، وترك آثاراً إيجابية لناحية توفر المادة في المحطات وعدم انقطاعها أبداً بعدما كانت تشكل هاجساً مزعجاً لجميع أصحاب السيارات العاملة على البنزين، وفي السياق ذاته، ترك نظام شرائح البنزين (مدعوم، وحر) إزالة لقلق من لا تكفيهم المائة ليتر المدعومة، وبات الأمر في منتهى السلاسة والأريحية، وأصبحنا نمني النفس بأن يطبق نظام الشرائح على باقي المشتقات النفطية، لعلنا نشهد وفراً في المواد، ونرتاح من قلق لطالما انتابنا في سنوات الحرب.
بالعودة إلى فقدان الثقة المبرر لدى المواطن، سمعنا في الصيف الماضي أن الشتاء سيكون دافئاً، والتقنين الكهربائي سيلغى، ولكن مع أول لمعة برق، انقطعت كل وسائل الدفء، فالكهرباء في أسوأ حالاتها، وهي تقنن في القطع والوصل، والغاز أصبح كالدر والجوهر، والطبيعة تدخلت بكل قوتها، لنكتشف أن هذا الشتاء هو الأقسى والأبرد منذ عقود، وأصبحنا نملك كل المبررات لنفقد الثقة بالتصريحات الرسمية.
أيضاً، ومع انخفاض قيمة الليرة، خرج المسؤولون بتصريحات رنانة حملت في طياتها الويل والثبور وعظائم الأمور لمن تسول له نفسه رفع أسعار المواد التموينية، والنتيجة ماثلة أمامنا، فكل شيء تضاعف سعره، (ولتبلط) البحر أيها المواطن، فكيف لنا أن نتحدث عن أي نوع من أنواع الثقة بعد ذلك؟.
و في آخر مستجدات الضبابية وغياب الشفافية، تجلت قصة المخابز، وتحديد ساعة البدء بالعمل عند الخامسة صباحاً لأسباب لم تقنع أحداً، مما شكل شعوراً بالخطر على الرغيف اليومي، وهذا الأمر قد يكون مستبعداً بالمطلق، ولكننا أمام تجارب سابقة تجعل المواطن لا يصدق أي تصريح عن الجهة المعنية حتى لو أقسمت بأغلظ الأيمان.
بعد التي واللتيا، لا بد أن تعمل دوائر الدولة على استعادة ثقة المواطن، والطريق الأقصر لذلك هو إشراكه في اتخاذ القرار، فعندما تضح الصورة، سيكون المواطن سباقاً لحض المسؤول على اتخاذ القرار المناسب حتى لو كان قاسياً، وعلى حسابه، ويكفينا أن نتذكر معاً توجيهات السيد الرئيس للحكومات المتعاقبة بالاقتراب من المواطن، ووضعه في صورة ما يحدث، لأنه الحل الأمثل لتقبل أي قرار صادر عنهم.

 غيث حسن

تصفح المزيد..
آخر الأخبار