العـــــدد 9536
الإثنين 24 شــــــباط 2020
تندرج مخالفات أصحاب الفعاليات المتعلقة بالتفاصيل اليومية لحياة المواطن ضمن إطار البحث عن زيادة الكسب والربح، فالمنتج يرى نفسه مظلوماً من الناحية الربحية المقيدة بتسعيرة دوائر حماية المستهلك، ويبحث دائماً عن طريقة للالتفاف حول القانون في سبيل زيادة ربحه، فمنهم من يحاول تعديل كفة الربح بما يتناسب مع حجم أمواله المستثمرة (وهم قلة)، ومنهم من يريد النتيجة عشرة إلى صفر لصالحه، وليذهب المستهلك إلى الجحيم.
لم تنفع كل محاولات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في لجم المخالفين، فما أن تتاح لهم الفرصة، حتى تجدهم ينقضون عليها بكل قوتهم، لتحصيل ما فاتهم، أو لتعويض قيمة ضبط هنا، أو (إكرامية) هناك.
حالتان نقف عندهما ونتساءل لماذا يوضعان تحت المجهر دائماً؟، ولماذا يعتبرهما المواطن موضع شك ويصل غالباً إلى يقين مطلق بأنهما يتلاعبان بالمادة؟، وهما الأفران ومحطات الوقود.
لو سألت أي مواطن عن الفرن ومحطة الوقود ، سيجيب بلا تردد: إن الفرن يبيع الدقيق التمويني، و(المازوت) المدعوم من خزينة الدولة، ويقدم ربطة خبز لا تتناسب مع المواصفات، وسيقول أيضاً: إن محطات الوقود تتلاعب بالكيل، وبجودة المادة، وتتهرب من إيصالها إلى المواطن بغية بيعها في السوق السوداء، وهذه الآراء والأقوال ليست من وحي الخيال، وإنما حديث الشارع اليومي، والسبب بكل بساطة أنه لم يسبق لأي مسؤول أن اتجه إلى أصحاب هذه الفعاليات لمناقشة الأمر على بساط أحمدي، أو لمصارحة بين الأطراف تفضي إلى إيجاد حل يكبح طمع البعض، ويوازن الكفة، بحيث لا يشعر صاحب الفعالية أنه يستثمر عشرات، أو ربما مئات الملايين لتأمين لقمة عيشه فقط، فصاحب رأس المال (كما نعلم) لا يغامر بأمواله لأجل كسب بسيط يساويه بأي موظف مسكين، وعندما يستثمر أمواله يكون الهدف الأول والأخير هو تحصيل مكاسب مالية تتناسب مع حجم المال المستثمر.
الحل لهذه الدوامة بسيط برأينا إن كانت هناك نية لدى واضعي القانون ومنفذيه، فلو فكرنا برفع هامش الربح للمستثمر (ليس من جيب المواطن طبعاً)، بشرط أن يقدم المادة بجودة أفضل وتحت طائلة المسؤولية الحقيقية، سنكون أمام واقع مختلف، يحقق مكاسب للجميع، فليس من المعقول بحسبان أي صاحب منشأة أن يكون دخله بآلاف الليرات مقابل استثماره لعشرات الملايين، وبحسبة بسيطة، سيجد أن وضع هذه الملايين على شكل ودائع في البنوك، سيجلب له نفعاً مضاعفاً من الاستثمار فيها، لأن الحقيقة الواقعية تقول: إن صاحب محطة الوقود مثلاً، أو صاحب الفرن، لن يجنيان إلا الفتات إن عملا ضمن هامش الربح المتاح لهم قانونياً، ولو سألنا أي واحد منهم، لأجاب بنفس هذا المنطق.
بالجملة والتفصيل، لابد من حماية المنتج أو المستثمر من نفسه التي قد تأمره بالسوء، وعندها سنحمي المستهلك من دون دوائر رسمية لحمايته، اللهم إلا إن كان هذا الأمر باباً للاسترزاق من قبل من يوهمون الناس بأنهم وجدوا لحمايتهم.
غيث حسن