أيقونة التعليم المفتوح لأكبر طالبة في الجامعــات السـورية

العدد 9536
الإثنين 24 شباط 2020

 

ليس حلماً يدغدغ خيالها في كرى الليل ويغفو على كتف شمس الصباح، بل حقيقة توجتها بأيقونة التعليم المفتوح لأكبر طالبة في الجامعات السورية، لم يكن سهلاً الطريق إليه وليس مزروعاً بالأزهار وهو بارتفاع جبال وتلال بحمولة من العثرات والحجرات رست أمامها لتزيحها بقوة إرادتها التي ندت على الجبين وارتسمت بأمل يكبر بخطوات السنين نحو وهج شمس الحلم.
حكايتها طويلة بما تطويه سنوات العمر المسافر بالأحلام والآمال، ومحطات وقفت عليها دون إشارات أو إنذارات، وإن وصلت فيه لما تحلم به أي امرأة لن تتوقف فما زال للحلم بقية.

* السيدة كنينة دياب، أديبة ومترجمة ونالت الشهادات الأكاديمية وآخرها حصلت فيه على تكريم ولقب أيقونة التعليم المفتوح من جامعة دمشق وهي في عمر 71 سنة، تقول: ليس أجمل من النجاح، في أي من السنوات كنت، وليس من فرح يوازيه، وقفت على المنصة وتصفيق الجمهور يثير في جنون الحياة، وكفتاة صغيرة رجعت بها السنون إلى مقاعد الدراسة وفي كل مرة أعود فيها للصف أجد الحياة تحضني بين يديها وترفعني بين نجوم السماء.
عانت كما عانت بلدها من بلاء الحرب، إن كان في هذه الأيام أو سنة 1967 التي نالت فيها شهادتها الثانوية، أدبي، تقول: كنت أحلم أن أدرس (فنون جميلة) لكن كنا في حرب (67) والحال الاقتصادية صعبة كما أننا انقطعنا عن الامتحان لبرهة ثم عدنا إليها وقتها تعرضت لوعكة صحية وأمي قلقت علي وعلى إخوتي الذين تمركزت إقامتهم في دمشق لأجل العمل وقتها حصلت على الشهادة الثانوية وسجلت في الآداب قسم فلسفة، ولم ترق لي فتركتها، لأعيد البكالوريا مرة أخرى وأنالها بسهولة وبعلامات أعلى رغم رفض أهلي وحجتهم تغير المنهاج وصعوبته، عثرات كثيرة وقفت كالجدار في وجه حلمي إذ منع في ذاك العام التقديم لكلية الفنون الجميلة غير من حصل على شهادة البكالوريا العلمي، ولم ينل اليأس مني وقلت في نفسي: ليست مشكلة وليكن سأدرس (إنكليزي) عسى خيراً فلا أكلف عائلتي ما ليس بوسعهم وكلية الفنون تكلف الكثير، أبي متوفى مذ كنت صغيرة وحال عائلتي مستورة (ع القد) والحمد لله، درست إنكليزي وقد وفر لي إخوتي تكاليف الحياة ونلت الشهادة الجامعية بأربع سنوات من جامعة دمشق صحيح أني لم أكن الأولى لكن لم أرسب في أي سنة، تخرجت في (72) ودرست بدير عطية والنبك ثم أعلن عن مسابقة التدريس عام 73 تقدمت عليها وكان ترتيبي الرابع بين الفائزين، ليتم تعييني في يوم مولدي 28 شباط وتكون هدية السماء، بعدها تزوجت ووهبني الله ولدين وكنت مع زوجي في الإمارات ولم أنفض عن الدراسة والعمل رغم كل المهام والمسؤوليات التي ترتبت علي في الغربة، فقد كنت أعمل بالترجمة في مجلة بعد انقطاع الإعارة، كما دخلت معاهداً لأتعلم اللغة الفرنسية والكمبيوتر، وغيرها الكثير فالعلم ليس له حدود، تمر السنوات بين العلم والعمل والأولاد كبروا وتزوجوا وزينوا دنياي بالأحفاد، وكنا وقتها قد وطأنا دمشق، وبدأ حلماً يلوح في خاطري أن تكون (البنت والحفيدة والجدة) في الجامعة وعلى مقاعد الدراسة ويتخرجن في وقت واحد، لكن (تجري الرياح بما لا تشتهي السفن) فحفيدتي سجلت (إدارة أعمال) وأنا وابنتي (إعلام) في التعليم المفتوح، والتي سرعان ما انسحبت لتتعلم اللغات وتهاجر للطرف الآخر من العالم، وحفيدتي غيرت مجرى دراستها لمعهد تصميم أزياء لتتفوق وتكون معيدة ومدرسة في المعهد.
ودخلت في تحدٍ بيني وبين نفسي بأني سأنجح ولو كان عمري 66 سنة وأحفظ كتباً ومقررات ضخمة وألتزم بالدوام والمحاضرات مع فتيات الصف، بداية تخوفوا مني إذ كنت أجلس في المقعد الأمامي وظنوا بي بأني أراقبهم وأعمل لجهة ما، ولكن مع الوقت وصداقتهم لي استحوذت على اهتمامهم ورجعت لشقاوة الطلاب حيث كنت أشاركهم بكل النشاطات والرحلات، ومرت السنوات الأربعة بنجاح، ويوم التخرج كنا قد جمعنا المال لأجل حفلة الطلاب التي تأجلت كثيراً لأسباب غير مفهومة وحرمنا من الفرح لكن في حفلة تخرج الدبلوم التربوي كانوا قد أحصوا سنوات عمري وعلموا بأني أكبر خريجة جامعية في الوطن العربي 71 سنة، لكني تفاجأت بنائبة رئيس جامعة دمشق وهي مديرة التعليم المفتوح تقول لي، أنت مدعوة وبشكل شخصي لحفل التخرج، وبعدها وجدت على الموقع الالكتروني لصفحة الجامعة صورتي في منزلي والجامعة وقد دونوا أمامها ومهروها (أيقونة التعليم المفتوح وأكبر خريجة في جامعات القطر العربي السوري السيدة كنينة دياب)، تخرجت بمعدل تجاوز 69% وكنت لأحصل على معدل أعلى لو أني تفرغت للدرس ولكني كنت في ذات الوقت أكتب وأترجم القصص والمنشورات، ولما قدمت على الحفلة ظنوا أني من أمهات الطالبات والجمهور، لكن الصورة تبددت عندما نادوني باسمي وصعدت منصة الأحلام وسلموني الدرع وشهادة التقدير ليدوي صفيراً بينهم وتصفيقاً وقلبي يصفق بجناحيه ويطير إلى أولادي في دبي وهولندا وأراهم بي فخورين.
حلمي أن أدرس الإعلام الموجه للطفل وليس في الجامعات السورية هذا الاختصاص ولا حتى في أي جامعة بالوطن العربي، وقد وجدت رديفه في ماليزيا، وإن أمد الله في عمري سأتابع الدراسة وأكون أول امرأة بالوطن العربي تدرس إعلام الطفل ولن أقف هنا وفي العمر بقية..

هدى سلوم

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار