الاســــم المســـــتعار

العدد: 9535

الأحد:23-2-2020

لكل امرىء من اسمه نصيب، الاسم هوية صاحبه وجواز مروره بين الناس يلتصق بالشخصية حتى الوفاة، ولا بديل عنه في أيه أوراق رسمية وجواز سفر وشهادة ميلاد أو وفاة أو وثيقة دراسية أو نجاح أو تخرّج.
ظاهرة الأسماء المستعارة بين الكتاب والأدباء والفنانين ونسوة السياسة قديمة وتتناسخ من جيل إلى جيل ولا زالت سارية المفعول حتى الآن، فالاسم المستعار أو انتحال اسم وهمي هو تعدد هوية وحرية ممارسة تتيح للكاتب حرية أكبر، وطريقة آمنة مضمونة العواقب لممارسة حرية القول والتعبير، وتجنب ردات الفعل والموجات الارتدادية الخطرة والمدمرة والخوف على الحياة من المجتمع ومن الحكام ومن البطش والقمع والاستبداد .
يكثر اللجوء إلى الأسماء المستعارة في عوالم الثقافة والأدب والفن، ولا تقتصر الأسماء المستعارة على الذكور، فهناك نسوة السياسة اللاتي لهن صولات وجولات في خبايا وخفايا السياسة تحت أسماء وهمية مستعارة كي لا يفصحن عن أسمائهن الحقيقية أتوا إلى السياسة من بوابة الجمال والمكانة الاجتماعية أو الذكاء أو العلاقات العامة الكثيرة والمتشابكة أو سطوة المال، حيث إن الثقافة ليست مهمة لدخول المرأة إلى عالم السياسة ودهاليزها و وتركوا بصمتهم المميزة على رجال السياسة الذين تعاملوا معهم مثل (عبلة اللبنانية – زينب الوكيل – أمينة البارودي – سميحة بنت الصحراء – بنت فلسطين ).
يكثر اللجوء إلى الأسماء المستعارة التي تطالعنا بالكثير من الغرائب والطرائف حيث يطغى الاسم الوهمي على الاسم الحقيقي بالكامل حيث إن الاسم الحقيقي لموليير هو جان باتيست بولكلان وقد تبيّن أن موليير ليس الأب الشرعي لمسرحياته العظيمة، فقد كانت هناك صفقة مالية بين موليير وبين كورناي أعظم مسرحي فرنسي حينذاك، بحيث يتهرب موليير من إعلان إفلاسه المالي وملاحقة الدائنين عبر كتابة مسرحيات هزلية تنسب لموليير ويقوم كورناي بتمثيلها، والكاتبة البريطانية جورج صاند واسمها الحقيقي الأصلي أمانتين أوزوكونيل دويين كانت أولى رواياتها مع كاتب يدعى جورج صاند ومنه استعارت اسمها الأدبي الدائم ,وهناك الكاتب الجزائري الفرنكوفوني محمد مولسهول كان يوقع رواياته باسم أنثوي هو (ياسمينة خضراء) اسم زوجته الحقيقي وقد اختاره عندما كان ضابطاً في الجيش أثناء المواجهات مع المتطرفين الأصوليين في تسعينات القرن الماضي.
نحن الآن في عصر قنوات التواصل الاجتماعي والفيس بوك واختلاط الحابل بالنابل وانتحال الأسماء، عصر اللاإنسانية والردة والعودة إلى الوراء ورواج الأسماء المستعارة في وسائل التواصل الاجتماعي الكثيرة التي تحفل بما هبّ ودبّ من ألقاب وتسميات، فورة وطفرة تتلاطم أزبادها بين الأرض والنجوم، يلجؤون إلى مواقع التواصل لتمكينهم من ممارسة حريتهم ونقدهم اللاذع والجارح والعنيف والمتطرف والتعنيف بكل حرية وبدون أدنى مسؤولية أخلاقية أو قانونية، وإطلاق الألقاب المجانية والأدبية العظيمة وعبارات التضخيم والتبجيل التي ما أنزل الله بها من سلطان.
النص الهزيل الذي يتوكأ ويتسلق على سلالم الاسم ينكسر ويسقط في نهاية المطاف، فرصانة الاسم في تجدد خطابه ومسايرته للأحداث والظروف وقضايا المجتمع والوطن.. نحن لا نريد ممارسة حرية أدبية واجتماعية متحررة من العقل والقيم والأخلاق… بل ممارسة حرية كلمة مسؤولة ملتزمة بقضايا شعبنا وحاجات مجتمعنا في حربه على التفكير والإرهاب المجرم.

نعمان إبراهيم حميشة 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار