التصـــوير الضـــوئي.. إرث الإنســــانية أفـــراداً وجماعــات

العدد: 9297

21-2-2019

 

من منا لا يحتفظ بذكرى صور عديدة تعيده لزمن أو لحظة ما وثّقتها هذه الصورة أو تلك، وكم كان لصورٍ الفضل في توثيق أو تأريخ أو اكتشاف حدث ما، وُضع في رصيد تراثي، أو علمي، أو اجتماعي وحتى غير المسارات ومصائر الكثير من الأفراد والمجتمعات، فماذا عن واقع التصوير الفوتوغرافي اليوم وهل ما زال له وهجه في ظل وجود الكاميرات الذكية في جيوب أغلبنا؟ إجابات لمصورين امتهنوا التصوير الفوتوغرافي لأكثر من عقد، وما زالوا على رأس مهنتهم فماذا قالوا؟

المصور رامي مورللي: منذ عام 1955 كان والدي مأمون مورللي رحمه الله واحداً من أقدم المصورين الفوتوغرافيين في مدينة اللاذقية، بل كان رمزاً من رموزه المميزين جداً في مجال التصوير الضوئي، هذه المهنة الفنية الجميلة التي تحتاج إلى عين مميزة قادرة على التقاط الجمال ونقله إلى صورة وكان والدي بمثابة هذه العين، لأنه كان رساماً أيضاً وشاعراً وهذا أضاف إلى مقدرته في التصوير الضوئي وساعده على التميز بين أقرانه في هذا المجال، وكنت أنا امتداداً لوالدي وبالفطرة خلق معي هذا الحب للتصوير، وبالمقارنة بين التصوير في الماضي واليوم أقول: كان التصوير قديماً فيه فن ومتعة وإبراز لإمكانيات المصور وإبداعاته، أما اليوم ومع تطور تقنية الكاميرا ليكون لديك خيارات بعشرات كاميرات الديجيتال وبكل مواصفاتها التي تتفوق بها على الكاميرا الأخرى صارت المهارة تعود للكاميرا ومعها أفقدت هذه الكاميرا المصور المحترف احترافيته وإحساسه الجميل الذي كان يرافقه عند التقاط الصور في الماضي، ولكن بصراحة مع كل التقدم الحاصل في دقة الكاميرا واتساع عدستها وألوانها إلا أنها غير قادرة على التقاط الإحساس الذي كان يخلفه المصور مع الكاميرا القديمة، وبالنسبة لمهنة التصوير لم تنحسر وإنما تراجع إقبال الناس ولكن كل مصور لابد أن يواكب ويجلب كاميرات رقمية حديثة لاستمرار مهنته.

ولكننا بنفس الوقت لا نستطيع أن ننكر أن مهنة التصوير اليوم أفقدت المصور المحترف جزءاً كبيراً من إحساسه الذي يضيفه للصور وبالتالي إحساس الصورة، اليوم أصبح كل من يقتني كاميرا ذكية حديثة قادر على أن يقوم بهذه المهمة بمساعدة برامج ومؤثرات عديدة يستطيع بها تجميل الصورة، ولكن تبقى عين المصور وإحساسه ناقصين، ويقول المثل أعطِ خبزك للخباز، مهما نجح الناس في التصوير على كاميرات موبايلاتهم يبقى إحساس المصور المحترف صاحب الخبرة والمعرفة والنضوج في مجال التصوير الضوئي متفوقاً حتى وإن غزت التكنولوجيا المعرفية لأن الحس الفني الجمالي عند المصور المحترف هو من يجعل الصورة مميزة، ويتساعد فن التصوير مع التكنولوجيا فتكون النتائج أفضل، وهنا أضيف: إنه مهما بلغت دقة كاميرات الموبايلات اليوم فمن المستحيل أن تتفوق على صور مصور فني محترف وصاحب تجربة لعقود، باستثناء بعض الأشخاص الموهوبين بالفطرة، والمؤكد اليوم أن التطور الرقمي في عالم التصوير أثبت قدرته على أن يهزم التصوير التقليدي وزمن التحميض الذي انتهى إلى غير رجعة، ولكنه لم يهزم إحساس الجمال والفن الذي وحده المحترف وصاحب الخبرة في التصوير قادر على خلقه وإضافته إلى الصورة.
المصور جمال قبيلي: أكثر من 40 عاماً في مهنة التصوير الفوتوغرافي التي تطورت تطوراً قوياً جداً بكل تفاصيلها من الكاميرا نفسها التي تذهلك اليوم بمواصفاتها من حيث دقتها ونقاوة الصورة والألوان إضافة إلى تطور أدوات التصوير الأخرى من حيث الطباعة والبرامج والمؤثرات الأخرى التي تساعد على إبراز الصور بأبهى منظر وكل ذلك بالاعتماد على التقنية الرقمية والكمبيوتر.
بصراحة تراجع إقبال الناس لزيارة المصور والسبب معروف وبديهي وجود الكاميرات الذكية في أجهزة الموبايلات التي صار فيها صاحب الموبايل موثقاً لكل لحظة جميلة ترافقه، إلا أنه يبقى للصور الضوئية الفوتوغرافية المحترفة ميزتها وخصوصيتها لأن لمسة المصور المحترف المختص صاحب التجربة تصنع فرقاً إضافة إلى مواصفات الكاميرات التي يمتلكها المصور المحترف والتي تضاهي أفضل كاميرا في أفضل موبايل، وبالعودة للحديث عن إقبال الناس على التصوير يبقى منتعشاً في مجال الطلب على الصور الرسمية المتعلقة بالأوراق الحكومية الرسمية والثبوتيات ولكنه تراجع في الأعراس مثلاً بسبب غلاء تكلفة الصور الضوئية اليوم الذي لا يتماشى مع المقدرة المادية لأغلب العرسان ومع ذلك لا زال البعض يصرّ عليه ولكنه مقارنة مع الماضي يعتبر خجولاً، فمثلاً تكلفة الفيلم 36 صورة يبلغ وسطياً 35 ألف ليرة سورية ويحتاج العرس إلى عدة أفلام وقد يحمل العروسين المشكلة باختيارهم لمصور أقل ولكن هنا تتحكم نوعية الصور والكاميرا المستخدمة في السعر وتكون جودة الصور ودقتها ووضوحها أقل وفي الحقيقة اللاذقية تعطي خيارات كثيرة لناسها لاختيار المصور الذي يفضلونه ولكل مصور ميزته ونكهة صور خاصة له وعليهم اختيار ما يرونه هم الأفضل لتبقى الصور عماداً لذكرياتهم يتوارثها أخلافهم من الأهل والأحباء والأصدقاء.
المصور روبيك فيكين فاردانيان: للصور الضوئية والفوتوغرافية دور مهم جداً في حياة الشعوب أفراداً كانوا أو جماعات، فهي تحكي قصصاً وحكايات جميلة وتوثق لحالات استثنائية تكون دليلاً هاماً للتطور في مجال ما، واليوم بنظرة سريعة أقول: لم يتراجع دور التصوير الضوئي ولن يتراجع مع اكتساح الكاميرات الذكية الموجودة في جميع الموبايلات والمتطورة لأن مجال التصوير الفوتوغرافي يواكب جميع التطورات التقنية والرقمية الحاصلة، بل وهو في ازدهار كبير ومتنامي قد يكون تراجع كمصلحة أو مهنة فبعد أن كانت تمتلئ محلات التصوير وخاصة في المناسبات والأعياد على اختلافها بعائلات بأكملها تريد التصوير، تراجع هذا الاقبال وصار مقتصراً على القاصدين للحصول على صور رسمية للمعاملات الحكومية وحتى الطلب لصور الأعراس تراجع، وفيما يخص الأعراس تراجع ولكنه لم ينقطع، قد يكون خفّ قليلاً بسبب غلاء تكلفة صور العرس بما لا يتناسب مع الوضع المالي للعروسين فتكلفة فيلم الصور زاد عشرة أضعاف بعد فترة الأزمة التي شهدناها لتبلغ تكلفة الفيلم الواحد 35 ألف ليرة سورية، فحسبة بسيطة لعرس متوسط المستوى وعدداً وسطياً من الأفلام سيكون المبلغ كبيراً نوعاً ما، التصوير الضوئي الفوتوغرافي المحترف سيظل مزدهراً وخاصة بعد التطور المذهل الذي حصل على معداته وأدواته والبرامج المتعلقة به والتي تعطي نتائجاً للصور ولا أجمل ولا أنقى ومهما كانت كاميرا الموبايل الذكي متطورة ودقتها عالية إلا أنها غير قادرة على منافسة الكاميرا الفوتوغرافية الرقمية الحديثة التي تمتلك مواصفات خيالية وسعرها خيالي يصل للملايين إضافة إلى أفضلية الصور الفوتوغرافية في إبراز تفاصيل غير قادرة كاميرا الموبايل على التقاطها، ولا ننسى خبرة المصور الاحترافي وعينه الفنية ويبقى للصورة الفوتوغرافية نكهتها وخصوصيتها شريطة الاحتفاظ بها بطريقة سليمة حتى عندما تمسك بها فالإحساس الذي تخلقه لدى حاملها غير الإحساس الذي تخلقه صورة تراها على الموبايل.

مهى الشريقي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار