«الزمــــيتة بطــــول الزلمـــــية» وهذا الصقــــيع لم يحـــــضر مـــنذ عـــقود ..أضــــرار متفــــاوتة.. وهـــذا هـــو حـــال «الطبيــــعة»
العـــــدد 9531
الإثنــــــين 17 شــــــباط 2020
(البرد بيقصّ المسمار…) جملة عامية متداولة كثر استعمالها الأسبوع الماضي، لأنه من غير المألوف في المنطقة الساحلية أن تكون درجات الحرارة دون الصفر، وبلغت أرقاماً مرعبة في بعض المناطق البعيدة نسبياً عن البحر ما دبّ الهلع في نفوس المزارعين على محاصيلهم التي زرعوا معها أحلامهم وأحلام أبنائهم..
الزراعة الحقلية في بداية موسمها، أي أنّ النباتات ما زالت غضّة وغير قادرة على مقاومة البرد ولا توجد وسائل مساعدة لها على عكس الزراعات المحمية التي يمكن تدفئتها أو منع الصقيع عنها بواسطة (الرذاذ)…
هي حكاية كلّ عام.. نقلّب على جنباتها وجع المزارعين، ولا نمتلك سوى الدعاء لهم، إذ لا يمكن لأحد أن يقف بوجه غضب الطبيعة..
الصقيع، كلمة لا يحبّ مزارع الساحل تداولها، لأنها تحمل معها تهديداً حقيقياً له، وقد لا تنجح كلّ إجراءاته في التخفيف من حدّة آثارها..
(الزميتة بطول الزلمة)، هي عبارة أخرى حضرت على مساحة الأسبوع الماضي ومطلع هذا الأسبوع رغم حديث نشرات الأحوال الجوية عن ارتفاع في درجات الحرارة، وتسابقت صفحات (الفيس بوك) في نشر صورها..
يختلف الحكمُ على (البرد والصقيع) من منطقة لأخرى ومن مزاره إلى غيره، فالمزارع الذي يعتمد على الزراعة الحقلية أو المحمية يرى في هذا البرد عدواً مباشراً وحقيقياً له، بينما يرى فيه مزارع الأشجار المثمرة فأل خيره، إذ أنّ البرد يقتل الكثير من الآفات والحشرات التي تضرّ الأشجار..
كثيرون أجمعوا على أنّ الصقيع بهذه القسوة لم يحضر منذ ثلاثين عاماً، وأنّ زراعات كثيرة تضررت، لكنه مفيد جداً بالنسبة لأنواع كثيرة من الشجر..
في حسابات الربح والخسارة فإن أي فقدٍ هو خسارة ملموسة وموصوفة، والبيت البلاستيكي الذي تعداد (شتلاته) ألف شتلة يتعرّض لخسارة (5كغ) كحدّ وسطي من كلّ شتلة بندورة تموت فيه، وبالتالي فإن من اقتصر الأذى عنده على 5% فإنه خسر نحو (50) شتلة في كلّ بيت بلاستيكي أي ما مجموعه (250 كغ بندورة) قد يصل سعرها إلى عشرة آلاف ليرة، وإذا كان لديه عشرة بيوت بلاستيكية فإنه خسر نحو (100) ألف ليرة، وإن لم تضعه هذه الكمية تحت بند الخسارة من حيث الإجمالي..
على هذه المقاربات نحاول قراءة المشهد الزراعي من خلال عناوين مبسّطة تبدأ من حرق الصقيع (مسكب بقدونس) وصولاً إلى تساقط نسب ليست قليلة مما تبقّى من محصول الحمضيات دون قطاف حتى الآن، مروراً بعراقيل أخرى تزامنت ورافقت هجوم الطبيعة على الزراعة الساحلية من خلال الرياح القوية قبل أسبوعين ومن ثم موجة الصقيع التي أعقبتها، ولا ندري ما الذي تخبّئه الأيام القادمة دون أن ننسى غياب معظم أنواع الأسمدة وعدم توفرها بالوقت المناسب وما قد يتركه هذا الأمر من آثار سلبية وخاصة على الزراعة الحقلية الربيعية، ولا ندري على وجه التحديد متى سيتوفر هذا السماد وهل سيكون توفره بشكل كاف، رغم الحديث عن إصلاح العطل في معمل الأسمدة الآزوتية وعودته إلى العمل.
سألنا أكثر من رئيس جمعية فلاحية في اللاذقية وطرطوس عن السماد فكان الرد المشترك: (العلم عند الله)! هناك أنواع محددة وبكميات قليلة جداً وأبرز الغياب هو لـ (الأزوت 46، والمركّب) والنوعان مطلوبان لـ (البطاطا والخضراوات الحقلية) وهذا موعد زراعتها وهذه الأسمدة تضاف للتربة قبل الزراعة..
لم يعد الحديث عن البدائل (الزبل) مجدياً لأن أسعاره فاقت القدرة الشرائية للمزارع، ولأن الغشّ تغلغل في شرايينه، وأصبح (الزبل) يُخلط بالتراب وبـ (نشارة الخشب) ولم يعد يُحدث ذلك الأثر الإيجابي على التربة..
اتباع دورة زراعية بشكل سليم يفسح المجال أمام التربة لترمم عجزها، لكن هذا الخيار لم يعد مجدياً أيضاً مع الحيازات الصغيرة ومع نجاح الزراعات التكثيفية..
إذاً، مزارعنا مضطر على خيار الزراعة التكثيفية في البيوت البلاستيكية، وهذا النوع من الزراعة محاط بكثير من التحديات والمتاعب أولّها ارتفاع تكلفة الإنتاج وآخرها صعوبات التسويق، وما بينهما حكاية سهر وقلق وتعب..
ماذا حملت موجة الصقيع التي ضربت الساحل السوري في الأسبوع الماضي، وما هو حجم الضرر الذي سبّبته، وما مدى نجاعة الإجراءات التي اتخذها المزارعون، وغير ذلك من الأسئلة، سنحاول الإجابة عليها في التقارير التالية..