بين شـــاشتي التلفاز والفيسبوك ضـــاع الجمهور

العدد: 9297

21-2-2019

 

لا خلاف على أن الشاشة الزرقاء (الفيسبوك) سرقت منا شاشة التلفاز، إذ يقضي كثيرون أوقاتهم وهم يتصفحون مواقع التواصل الاجتماعي ويتابعون أخبارها العاجلة والجاهزة والمستنسخة لحظة بلحظة، ويقضون ساعات طوال وهم ينقّلون أبصارهم بين صفحاته، وتحديد فئة الشباب الذين نراهم وقد قاطعوا التلفاز وبرامجه مقاطعة صارمة، لاسيما وأن أغلب –إن لم نقل- كل برامجه ومسلسلاته تُحمّل على الانترنت وليس على الفيسبوك فقط، وأصبح بالإمكان متابعة أي بث درامي أو برامجي في أي زمان ومكان ليبقى جهاز التحكم بالتلفاز (الريموت كونترول) وحيداً قابعاً بين يدي قلّة من الجمهور، حتى الأطفال باتوا مهووسين بهذه الأجهزة اللاذكية، ونراهم يتابعون برامجهم المفضلة عبر شاشاتها.

فهل ضاع مستقبل التلفاز، وفقد بريقه وقوته وتأثيره؟ أم أنه ما زال محافظاً على مكانته وموقعه وصدارته؟ صاحب الإرث الفكري والعلمي الكبيرين، وصاحب الفضل الأول والأخير في انتشار وشهرة كثيرين، ممثلين ومذيعين ومخرجين وأناس عاديين…
لندخل معاً إلى غرف المعيشة في منزل كلّ منا، مشاهدة التلفاز مع أفراد العائلة طقس موجود على الدوام، وهو الجهاز الوحيد الذي لا ينطفئ طالما نحن في المنزل، ومعارك انتقاء هذه المحطة أو تلك ما تزال قائمة، نتابع الأخبار والبرامج الترفيهية والاجتماعية، المسلسلات الدرامية السورية والعربية، وللأفلام حصتها بين المشاهدات، أما الأغاني والفيديو كليبات فلها الحضور الأقوى بين أوساط الشباب خاصة، أما للبرامج العلمية والتاريخية والوثائقية لها جمهورها الخاص والقليل عدداً تجاه باقي البرامج، كل ما سبق دليل على أن التلفاز ما زال في مأمنٍ من باقي الأجهزة الالكترونية التي تجتاح العالم، له سلطته وسطوته، وسيلة اتصال تفاعلية تشاركية لم تمت ولم تختفِ ولم تفقد شعبيتها، بل على العكس إنه الملاذ الآمن لكثير من الأسر التي تبذل قصارى جهدها لإبعاد أبنائها عن إدمان باقي الأجهزة والشاشات الرقمية والحد من انتشارها وكبح جماحها، لاسيما وأنها في متناول الجميع، بث على مدار 24 ساعة تضع العالم كله بين يديك لكنها تسرقك من عالمك وتدخلك سراديب العزلة والوحدة، لكننا لا ننكر فضلها في أمور كثيرة، وإسهاماتها في نشر وتوثيق وترويج أفكار وآراء بناءة إلى حد ما، إضافة إلى السهولة واليسر في تناول أي معلومة والسؤال عنها، فأصبحت هذه الألواح الالكترونية سيدة الاجتماعات والمنابر والمنصات، تتفوق على غيرها من وسائل التواصل والاتصال التقليدية والمبتكرة، وتشكل تحدّياً خطيراً لها قد يسقطها عن عروشها لكنه لا يزال أثرها أو وجودها، فثمة فئات وشرائح عدة تتمسك وبقوة بمشاهدة ومتابعة التلفاز، وفئة قليلة تستمع إلى المذياع، وثمة رواد خاصّون بالمكتبات لشراء الصحف والمجلات والكتب، وهؤلاء جمهور موجود على أرض الواقع الحقيقي لا الافتراضي.
فأي الكفّتين ترجّح؟ كفّة التلفاز، الوسيلة الإعلامية الأكثر انتشاراً والأقل تكلفة؟ أم كفّة الفيسبوك وأخواته؟ معايير عدة تتدخل لمصلحة كل منهما، ويبقى الجمهور هو الحكم والفصل في ميزان المتابعة والمشاهدة والأكثر رواجاً وتفاعلاً وحضوراً.

ريم جبيلي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار