هـــل مـــن عمــــل جـــاد لإعـــادة أبنـــاء الريـــف إلى ريفهـــم!

العدد: 9528

الأربعاء: 12 شباط 2020

تحقيق التوازن بين الريف والمدينة أمر ضروري وحيوي ومهم لضمان بقاء سكانه فيه وأن فقدان أي عنصر من كلتا الجهتين يكون على حساب الآخر وهذا ما يشهده الريف بشكل عام وريف جبلة بشكل خاص، فإذا ذهبت في زيارة إلى هذا الريف الجميل فإنك في مثل هذه الأيام لا ترى سوى كبار السن والذين التصقوا بالأرض ولا يغادرونها مهما كانت الأسباب في حين أن معظم الشباب (الذكور والإناث) خارج القرى لأسباب كثيرة ومن هذه القرى التي شهدت خلال العقود الماضية هجرة كبيرة لأبنائها باتجاه مراكز المدن وإذا دققنا في الأسباب التي دعت لمغادرة أبناء الريف منازلهم تكون الأسباب هي نقص الخدمات بشكل عام ولمعرفة المزيد عن هذه الهجرة كان للوحدة اتصال مع رئيس بلدية حلة عارا حاتم يوسف الذي قال: إن قلة الخدمات في أي مكان يؤدي إلى الهجرة والبحث على الأفضل وأن معظم سكان القرى يذهبون من أجل تحسين مستواهم المعيشي فمثلاً قرية المنيزلة تشهد هجرة كبيرة لسكانها منذ عقود بسبب نقص الخدمات والحال ينطبق على معظم القرى المذكورة فإن عدم وجود مدارس إعدادية وثانوية في أي مكان قريب يدفع الأهالي للذهاب إلى مكان أفضل من أجل تعليم أبنائهم وذكرنا مثل قرية المنيزلة ذات الطبيعة القاسية شتاء فلا وجود لمدرسة تضم طلبة كثيرين كون معظم أبنائها خارج القرية مع العلم أن المدرسة الموجودة فيها وأعداد طلابها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة ومع ذلك هناك إصرار على بقائها من أجل تقديم الخدمة للموجودين ولكن واقع الحال لا يبشر ببقائها كون الأهالي يسعون للاقتراب من المدينة حيث الخدمات من صحة وتعليم وكهرباء وماء وغيرها وهنا تكمن المعضلة فإن أبناء القرى هجرتهم منذ عقود وقد اشتروا منازل لهم في جبلة أو طوقها ومن المستحيل العودة لأن نقص الخدمات من صرف صحي ومياه وكهرباء وصحة وتعليم لا تشجع أبناء القرى على العودة وكذلك وسائط النقل ففي الريف الجميل لا يوجد أي منشأة زراعية أو صناعية وهذا مهم لأبناء القرى من أجل البقاء فمعظم راتب الموظف يذهب لإيجار التنقلات بين القرية ومكان العمل وهذا أيضاً دافع لترك القرية فإذا كان لأب عدد من الأطفال في المدارس الثانوية والجامعات فماذا يفعل فمعظم أجور النقل عالية ولا تتناسب مع دخل المواطن مما يضطره لمغادرة القرية لأن مكان عملهم يكون ضمن المدينة في حين تبعد أي قرية عن مركز المدينة أو العمل ما يقارب 30 إلى 35 كم وهذا مكلف لهم كم أن بعد المراكز الصحية عن القرى سبب آخر فأقرب مركز صحي للقرية المذكورة هو بيت ياشوط أو حلبكو والمسافة لا تقل عن 10 كم ولا يتوفر وسائط نقل إلا سيارات الأجرة والتي أجارها عالي عموماً إن الاهتمام بالريف يجب أن يكون مضاعفاً بحيث تقام المشاريع الخدمية والزراعية والصناعية من أجل عودة أبنائه إليه أو على الأقل أن يبقى ما تبقى منهم فيه فإن تنشيط الزراعة وتيسرها مهم جداً لبقاء الريف ففي الثمانينات من القرن الماضي شهدت سورية أزمة كبيرة وكان اعتماد أبناء الريف على الزراعة أحد أهم الأسباب للخروج من الأزمة كون الزراعة مهمة جداً فلم يكن هناك شبر واحد يصلح للزراعة إلا وقد زرع وكان الاعتماد على الذات لأن كل شيء كان متوفراً فلا تكن هناك حاجة إلى انتظار الدور لأخذ الخبز بل كانت كافة نساء القرى تقوم بالعجن والخبز بالإضافة إلى توفر الطحين وكان لتربية المواشي دوراً مهماً جداً فمن الماعز إلى الخراف إلى البقر والحمير وغيرها دور كبير في بقاء السكان ولكن حالياً الآلية اختلفت والتطور أضر أكثر مما نفع وليس المطلوب العودة إلى الوراء ولكن أن يبقى الريف بخيراته داعماً ومدعوماً لكي يتم الاستمرار في تحقيق التوازن بين الريف والمدينة حتى أن المدينة كانت تعتمد كلياً على الريف في تقديم خيراته لها من أجل استمرارها.
إن نقص الخدمات من تعليم وصحة ووسائط نقل وبعد مراكز العمل عن الريف هو أحد أهم الأسباب لترك أبناء الريف لقراهم أن جود البنى التحتية في أي مكان يدعم الأهالي على البقاء في أماكنهم وليس محبة الاقتراب من المدينة فعندما تنقصك المياه ولا تأتيك إلا نصف ساعة في الأسبوع هذا أمر يدفعك لترك القرية وأن بعد المدرسة عن أولادك ودفع مبالغ كبيرة في الذهاب والعودة كذلك أمر يدفعك لتركها بالإضافة إلى أن بعد المراكز الصحية عنها أيضاً يدفعك لتركها وإن إهمال الطرق والصرف الصحي ونقص خدمات الكهرباء والهاتف والبناء العشوائي يدفعك للركض وراء لقمة العيش بشكل كريم ونظيف وهنا لا نقول أن كل هذه الأمور غير موجودة ولكن لا تلبي حاجات المواطن الذي يأمل أن تكون الخدمة لديه أفضل بكثير وأن يكون مراكز عملهم ضمن تجمع القرى وليس في مراكز المدن فالزراعة والإطفاء لماذا لا تكون في هذه القرى وكذلك لماذا لا تكون هناك مشاريع داعمة وميسرة للفلاحين من أجل البقاء في الزراعة وليس في الكلام فقط أو مشاريع صغيرة لا تخدم إلا أفراد فإن معظم القروض الزراعية تكون وهمية وليس فيها أي تطور حقيقي فلماذا لا تعمل الزراعة على إعطاء القروض على أرض الواقع وليس كما هو الحال أن العودة إلى زراعة الأشجار المثمرة من الكرز والتفاح والإجاص والعنب أمر ضروري بما يتناسب مع طبيعة هذه القرى وكذلك تربية المواشي وتسهيل تربيتها وإقامة المراكز الصحية والتعليمية وإقامة البنى التحتية من كهرباء وماء وصرف صحي مهم جداً لبقاء أبناء القرى في قراهم ويقول يوسف إن ضعف الإنتاج وقلة سبل العيش أهم الأسباب وراء هجرة هؤلاء المواطنين قراهم حيث أن معظم من يعملون في الزراعة لا تقوم الأرض التي يعملون بها من تأمين ما يكفي لعوائلهم وقد وضعت الوزارة معمل خياطة في قرية بيت ياشوط وهذه خطوة مهمة نرجو أن تتبعها خطوات أخرى من إقامة معمل للألبان والأجبان في ريف جبلة من أجل تشجيع تربية الثروة الحيوانية. إن هجرة أبناء القرى الريفية إلى مراكز المدن أمر مؤسف ويهدد ببقاء هذا الريف كما كان عليه ففي أواخر القرن الماضي كنا نشهد بيادر القمح والشعير ممتلئة أيام الحصاد أما حالياً بالكاد نرى البعض يقوم بذلك. صحيح أن الظروف تغيرت كثيراً ولكن بقاء الريف بجماله وناسه مهم جداً فالآن تذهب باتجاه الغابات فلا ترى فيها إلا من يقوم بقطع الأشجار بينما سابقاً كنت إذا ذهبت إلى هذه الغابات ترى معظم الأهالي إما في الزراعة أو حراثة الأرض من أجل جني محصول جيد. الأمور اختلفت كثيراً فهل تعمل الجهات المعنية في محافظة اللاذقية على تقديم الدعم لبقاء أهالي الريف في أماكنهم وتحقيق الاستقرار فيه بدلاً من اللهاث وراء المدن وما يأتيها من مشاكل فمعظم من خرجوا من القرى منذ عقود أصبحوا غرباء عنها ولا يزورونها إلا في بعض الأوقات كالاصطياف أو تقديم واجب العزاء في أكثر الأحيان هذا حال ريف جبلة وينطبق على معظم الريف فهل نرى استدارة آلية والاهتمام به بالشكل الذي يليق به أم ماذا ..؟! ولا نقول أن هذه الخدمات غير موجودة ولكن لا تلبي حاجة المواطنين كما يجب أن يسمح بالرعي للمواشي في هذه الغابات من أجل استمرار الأهالي بالعمل والاعتماد عليها كباب للرزق.

 أكثم ضاهر

تصفح المزيد..
آخر الأخبار