العدد: 9528
الأربعاء: 12 شباط 2020
(أطفالنا دائماً على حق) عبارة تختصر أهم الأسس التربوية الخاطئة في تربية أبنائنا والتي نعتمدها بفطرتنا للتعبير عن مدى الحب والحنان الذي نكنه لهم، صحيح أنه في بعض الأحيان قد يكون من الصعب على المرء الاعتذار عن خطأ ارتكبه، فكيف هو الحال مع هكذا أمر عند الطفل الصغير الذي لا يزال في مرحلة اكتشاف مشاعره ومشاعر الآخرين من حوله؟ وكيف لنا أن نعلم أطفالنا الاعتذار والتعلم من أخطائهم؟ ففي أي مجتمع يكون تقديم الاعتذار عن الخطأ أمر واجب وضروري حتى يدرك الطفل أنه قد ارتكب خطأ ما أو أساء لشخص ما، وأن ذلك يتطلب أكثر من مجرد الأسف أو الاعتذار، وقد تشتكي بعض الأسر أن طفلها لا يعتذر وتشعر بالحرج الشديد عندما يرفض، فالاعتذار مهارة لابد أن يتدرب عليها الطفل منذ صغره وهو جزء من منظومة تربوية لتدريبه كيف يتعامل مع أخطائه، فهل تُعتبر كلمة (آسف) إذا أخطأ انتقاصاً من مكانته أمام زملائه؟ أم أننا نحن كأهل ومن ثم البيئة المحيطة بالطفل هي التي تكسبه سلوكيات كهذه؟ وهل نترك هذا الطفل ليتأثر بها ويرفض الاعتذار مهما كان حجم الخطأ الذي ارتكبه؟ أم أن هناك سبلاً خاصة يتبعها الأهل لتغيير مثل هذا السلوك السلبي لدى الطفل..
(الوحدة) أجرت بعض اللقاءات حول سلوك الاعتذار عند الأطفال ومدى أثره الإيجابي على شخصيتهم، فكانت الآراء الآتية..
* السيدة لمياء كنجو، أم لطفلين قالت: عبارة (إنِّي آسف) من أصعب الكلمات التي نحاول تعليمها لأي طفل كي يطبقها في سلوكه اليومي، مع أن للاعتذار شأن كبير في حياتنا خاصة في المواقف التي نخطأ فيها والاعتذار هو السبيل الوحيد لتفادي الاستمرار في الخطأ، وكلمة (آسف) عادة حميدة تكتسبها الأجيال من بعدنا ليسود التسامح والود في المجتمع، وأنا دائماً حريصة على تعليم أطفالي الاعتذار في المواقف التي أخطأوا فيها مع الناس من حولهم بقصد أو بدون قصد ولقد تفهموا أن الخطأ أمر وارد وأن الاعتذار سبيل لإصلاح هذا الخطأ.
* السيد ميشيل ديب، مدرس علوم قال: غالباً ما يكون المعلم هو القدوة للطالب فيتعلم منه أموراً بالإضافة إلى ما يتعلمه في بيته، لذلك من الضروري جداً أن يكون المعلم على قدر من المسؤولية لأنه يربي أجيالاً، ومن الضروري تعليم الأطفال الاعتذار عند وقوعهم في الخطأ، فالاعتذار، مهارة من مهارات التواصل الاجتماعي، وظاهرة صحية في نفس الوقت، لكن الطفل لا يتعلمه بصورة طبيعية لأنه سلوك مكتسب علينا غرسه فيه لكي يساعده على معالجة أي مشكلة تقابله في المستقبل، وأعتقد أن الأجيال الجديدة أصبحت في حاجة ماسة إلى مناهج تربوية منفتحة، تكرس سلوك التسامح وقبول الآخر.
* السيد أيهم بيطار، موظف، قال: إن الطفل ذكي جداً ولا يمكن أن يعتذر بهذه السهولة إذا أخطأ، سواء كانت الأخطاء كبيرة أو صغيرة، والطفل قد لا يمانع في الاعتذار (على الأقل) لأهله لكن الخوف أحياناً يدفعه إلى إخفاء الحقيقة وبالتالي رفض الاعتذار، والخطأ في هذه الحالة من الأهل وليس من الطفل فلو عودت الأسرة ابنها على الاعتذار وقول الحقيقة فسيتلافى الطفل عواقب الخوف في نفسه، لكن إذا استمر الخوف فإننا مع الأيام سنجده يرفض كلمة الاعتذار إذا أخطأ مع أصدقائه لأنه في النهاية يرى أن كلمة الاعتذار لا وجود لها في خريطة الحياة عند محيطه الاجتماعي.
* السيدة سونيا عمران، مرشدة نفسية قالت: ثقافة الاعتذار إذا أردنا تعميمها في المجتمع, علينا بالبدء من مرحلة الطفولة المبكرة من خلال غرس تلك القيمة في أطفالنا عند التعامل مع أقرانهم، لكننا أحياناً نرى العكس، فالأم إذا رأت طفلها في خلاف مع زملائه, تشجعه على عدم الاعتذار إليهم, لأن ذلك الاعتذار (باعتقادها) يؤثر على شخصيته ومكانته، وهنا يمكننا التأكيد على الآباء للقيام بتعليم أطفالهم ضرورة متى ولماذا يعتذرون؟ فنحن نعتقد أن الطفل كي يتمتع بالأخلاق العالية يجب أن يعتذر، ولكن في الحقيقة قبل الاعتذار لابد لنا أن نعلم الطفل الفرق بين السلوك الصحيح والسلوك الخطأ، وعلينا إرشاده كيف يوظف كلمة (آسف) في المواقف بدلاً من أن نجعله يستخدمها كنتيجة لسلوكه الخاطئ فقط.
* السيدة صفاء معلا، معلمة رياض أطفال قالت: لا بد أن يدرك الأهل أن الطفل في مرحلة مبكرة لا يعي معنى الاعتذار، وأنه قد يردد عبارة آسف حتى لا يُغضب من حوله، لكنه وفي بداية تعلمه للاعتذار لا نتوقع منه أن يتفهّم ما هو معنى الاعتذار ولكن بعد حين سوف نلاحظ أنه بدأ يوظف الاعتذار جيداً ويربطه بمشاعر الآخرين، لذا علينا أن نكون قدوة له ومع الوقت يبدأ الطفل يستوعب معنى الاعتذار ويبدأ بتحمل مسؤولية ما قام به أو أنه سيُحرم من شيء يحبه بسبب ما قام به من سلوك يتطلّب الاعتذار أو يؤذي مشاعر الآخرين.
بقي للقول: الاعتذار خطوة ضرورية لتصحيح وتعزيز العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، وهو فن له قواعده، ومهارة اجتماعية يجب أن نتعلمها وليس أهمّ من دور الأهل في العمل على غرس ثقافة الاعتذار عند طفلهم ليميز بين السلوك المرغوب وغير المرغوب في المجتمع، فالاعتذار من المبادئ والقيم الجميلة التي تضيف المزيد من الصفات إلى شخصية الطفل، ولذلك يجب أن تحرص الأسرة على أن ينال طفلها قدراً كبيراً من سلوك الاعتذار لتسمو نفسه وترقى وليكون شخصاً متكيفاً ومقبولاً في محيطه سواء كان اليوم في طفولته أو في مراحل عمره المختلفة.
فدوى مقوّص