العتـّالون.. من ينظّم عملهم ويضمن حقوقهم؟

العدد :9527

الثلاثاء:11-2-2020

 

تعتبر مهنة العتالة من المهن الشاقة والخطرة وهي من أقدم المهن التي اعتدنا أنّها ولّت في عصرنا بسبب التقدم والتكنولوجيا وتطوير الآلات والصناعات فهي ببساطة مهنة الحمّال يمارسها آلاف من الأشخاص من مختلف الأعمار، والتي تندرج تحت مسميات متعددة كونها تتطلب مجهوداً بدنياً كبيراً إضافة إلى الأخطار الصحية الضارة التي تسبب بها سوء الحال منها أو المزمن، فالكثير من عمال العتالة يعملون في المرافئ وأسواق الهال ومراكز الاسمنت ومحطات الرمل والبحص والبلوك، كما أنّه يوجد ساحات مخصصة لهم حيث تقتصر وسيلة العمل الواحد منه على مجهوده العضلي ليس إلا.
فمن يحميهم قانونياً من أصحاب وأرباب العمل… ومن المسؤول عن تعرضهم لإصابات ووفيات نتيجة الأعمال المجهدة ألا يمكن تسجيلهم في التأمينات الاجتماعية وهل من نقابة تحميهم وتدافع عنهم..؟!
لا تطبق فيها شروط السلامة المهنية
انطلاقاً من ذلك كله يصبح التحقيق في هذه المادة يتدرج بنكهة الخوف من الآلام المهنية المخاطرة من أجل تأمين لقمة العيش التي عادة ما تكون مغمسة بالعرق والهم.
ولكي نتعرف على واقع هذه المهنة الحقيقي انطلقنا إلى شرائح متعددة من العمال وتحدثنا إلى بعضهم لاستيضاح وبيان رأيهم في تلك المهنة التي تقف ورائها الحاجة والبؤس الاجتماعي.
* يقول محمد أمين، عتّال بلوك وبحص: أعمل بهذه المهنة منذ زمن طويل كوني لم أحظَ بأي وظيفة عامة أو خاصة ومهنتي لا يحسدني عليها أحد ولكن هناك من يقول إننا نتقاضى مبالغاً مالية جيدة نتيجة الحمولة فأنا أقوم بتحميل الإسمنت والرمل والبحص والبلوك لكن لا أحد يعلم التعب الشاق الذي نتحمله فكل ما أتمناه ألا أصل إلى ما وصل إليه الكثيرون من عمال العتالة والذي دفعوا كامل تحويشة العمر لعلاج الديسك، فنحن امتهنا هذا العمل وكلنا علم بأضراره على الصحة والحياة نتيجة تعرضنا إلى عوامل عدة أو ظروف خطرة في بيئة العمل التي نعمل بها.
* يحيى الخلف، عتّال في العقد الخامس من العمر، يقوم بمهنة العتالة منذ ما يقارب ال 30 عاماً لم يعد قادراً على رفع الثقيل فقال: لم أعد مثل أيام زمان فبالرغم من صعوبة هذه المهنة فعملنا ليس مجهداً فقط بل هو عقوبة (أشغال شاقة) فطيلة حياتي أمارس مهنة العتالة دون أي تأمين أو نقابة تساهم في إنهاء حرماني أنا وزملائي من الحق في التقاعد وحالي كحال جميع العتالين والحمالين.
* يوسف حبوش، عتّال: بسبب قلة الوظائف العامة في القطاع العام والخاص اتجهنا إلى مهنة العتالة لا لمحبتنا بها ولكن حتى لا نمد أيدينا للآخرين أو نقوم بأعمال غير شرعية ونعمل تحت حرارة الشمس الشديدة والأمطار والبرد القارس فنقوم بكافة الأعمال التي تعرضنا لمجهود جسماني كبير ومتواصل فهي من الأعمال الضارة بالجسم وهذه المهنة تقف وراءها الحاجة فهي تقسم الظهر وتحبس الأنفاس لأننا نقوم بتنزيل وتحميل البضاعة في ساحات المرافق منذ الصباح الباكر وحتى المساء.
* توفيق العليان أحد الممتهنين للعتالة يقوم بتفريغ وتحميل شاحنات ضخمة وهو لا يفكر في مغادرة هذه المهنة على الأقل في الوقت الحالي لأن بنيته الجسدية والعضلية تساعده على تحمل مشاق هذه المهنة ويشاطره الرأي زميله زياد كسار: إنني رتبت حياتي على ضوء ما أحصل عليه من وراء العتالة فهي أصبحت جزءاً من حياتي اليومية وإذ أذهب للعمل مع شروق الشمس حتى مغربها وأحمد ربي على هذه النعمة وأطالب بضمانات تحميه هو وزملاءه أسوة بباقي عمال المنشآت العامة والخاصة الخطرة.
* خالد العبد الله، عتّال تفريغ شاحنات: نتمنى من الجهات المعنية والحكومية رسم الخطوط الصحيحة لهذه المهنة الشاقة حتى نتمكن نحن العمال من الخروج من سوق العمل في وقت مبكر حفاظاً على سلامتنا وصحتنا ونتمنى أن يكون هناك ضماناً اجتماعياً على أن يخصص لنا راتب تقاعدي وفق قانون منظم فجميع القوانين تعترف بأن مهنة العتالة خطرة جداً وتؤدي إلى الإضرار بالصحة نتيجة لعوامل وظروف خطرة في بيئة العمل التي نعمل بها فهذه المهنة لا تطبق فيها شروط ومعايير السلامة والصحة المهنية.
وعطفاً على ما سبق ذكره فإن هموم الحياة اليومية واحتياجاتها دفعت الكثير في ظل الظروف الحياتية وقلة الوظائف بالتوجه إلى مهنة العتالة ليستقروا بها عارفين خدماتهم بكافة الاتجاهات فكل من رأيناهم وقابلناهم كان همهم واحد فالجميع يريد ضمانات اجتماعية وراتب تقاعدي وعند بيان رأيهم فجميعهم اشتركوا بالرأي لأنهم يوماً ما سيصاب جسده بعجز نتيجة تراكم الأعمال المجهدة.
مهنة خلفتها الحاجة
بما يستلزم الحديث عنه نقول أن مهنة العتالة هي مهنة خلقتها الحاجة لأسباب تتعلق بالبطالة والفقر وعليه يحدثنا هشام صقر دكتور في كلية الاقتصاد بالآتي:
أصبحت اليوم العتالة من الظواهر الملفتة للنظر في حياتنا اليومية وإذا ازداد عدد الأشخاص الذين يعملون بها فمعظم الذين يمتهنون مهنة العتالة ليسوا جميعهم أميين كما يتخيل للمرء بل هناك من وصل لمرحلة دراسية متقدمة كما يوجد الكثير من طلبة جامعات أو مدارس فهذه المهنة لا تجد الكثير من العناء في البحث عنها فهي موجودة في المرفأ وسوق الهال ومراكز بيع الاسمنت والمناطق السكنية في تحميل وتنزيل الرمل والبحص والبلوك كما أن العتالة في المنشآت الزراعية والصناعية والتجارية ناهيك أن الوارد المالي اليومي الذي يحصل عليه العتّالون مغرٍ أو على الأقل مشجع فهو يتجاوز ضعف الراتب اليومي للعامل أو الموظف في الدوائر الحكومية أو الخاصة الأمر الذي حدا بشرائح مختلفة أن يعمل بهذه المهنة بالرغم من صعوبتها كونها تتطلب طاقة وقوة خاصة لأجل إنجاز الأعمال التي تتعلق بها وعلى ضوء ما تحدثنا به لا بد من صدور قوانين وأنظمة تتعلق بهذه المهنة وأن يكون هناك جهة رسمية لها إجراءات عملية تجاهها.
36 عامل عتالة لدى التأمينات الاجتماعية
من خلال المتابعة الحثيثة قصدنا جهات عدّة لمعرفة على عاتق من تقع مسؤولية تنظيم عمال العتالة بداية توجهنا إلى التأمينات الاجتماعية فحدثنا السيد محمد يونس مدير التأمينات الاجتماعية: سابقاً كان يوجد اشتراك بالتأمين بإصابات عمل حيث كان هناك متعهد لعمال القتالة يقوم بتوزيعهم بين المخابز والاستهلاكية، وبعد صدور قرار رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 2019 أصبح لدى التأمينات 36 عامل عتالة الذي يشملهم التأمين والمعاش ويعاملون معاملة العاملين في الدولة ويحصلون على كامل حقوقهم من إصابات عمل.
وأضاف يونس: حالياً هناك متعهدون لديهم عدد من العمال يقومون بالعمل في الأقطان والشركة السورية للتجارة.. إلخ، وهذه المؤسسات أو الشركات هي المسؤولة عنهم.
المؤسسة هي رب العمل
ثم التقينا السيد غسان كحيلة رئيس نقابة عمال الحمل والتفريغ ومناولة البضائع الذي حدثنا حول ذلك: هناك الكثير من عمال العتالة الذين يعملون في المؤسسات والشركات الحكومية من ما يقارب الـ 30 عاماً تقدموا بعدة طلبات من أجل تثبيتهم في المكان الذي يعملون به بشكل دائم وبدون انقطاع وأمام أمنياتهم وطلباتهم نحن نقوم بما يترتب علينا بالمطالبة بذلك حيث طالبنا بشملهم بمظلة التأمين الاجتماعي وإعطائهم ميزات العامل المثبت داخل أوقات العمل فمن خلال الاجتماعات والمؤتمرات طالبنا بكثير من الحقوق لكافة العمال ومنهم عمال العتالة ولكن كافة هذه المقترحات؟ من قبل الجهات المعنية التي يقع على عاتقها تنظيم عمال العتالة وشملهم بالقرارات والمراسيم وأمام هذا فإن المتعهد يقع على عاتقه القرار الذي يراه مناسباً لعمال العتالة.
ففي هذا الخصوص صدر قرار مجلس الوزراء رقم 342/5 تاريخ 27/5/2019 شمل عمال الحمل والعتالة بكافة المظلات التأمينية ويعتبر المؤسسة هي رب العمل في فحص هذا التعميم بسواء كانت نقابة أو متعهد ولابد من التزامات الجهة العامة حيث تعتبر الجهة التي تعاقدت مع المتعهد لتنفيذ أعمال الحمل والعتالة هي صاحبة العمل في معرض تنفيذ العقد.
وتحويل اشتراك الواجب على المتعهد وعلى عماله بموجب اتفاق العمل الجماعي وفق قانون العمل رقم /7/ لعام 2010 إلى فرع المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية المختصة خلال 15 يوماً من الشهر الذي يلي تاريخ الاستحقاق.
وفي سياق حديثه أكد كحيلة سابقاً بأي تعهد كان هناك لجنة مشكلة على مستوى سورية تشمل كل من اتحاد العمال والمحافظة ونقابة العمال والمكتب التنفيذي المختص بالمحافظة حيث تتم الاجتماعات التي تضع التسعيرة وعلى ضوئها تنفذ العقود وكان التعهد بالتراضي وبدون مناقصة وكل ما ذكرناه آنفاً هو من أجل حماية العمال وشملهم بالقرارات والمراسيم وتحسين مستواهم المعيشي.
وفي الختام
العتالة تعد من المهن التي لا يتحملها أحد سوى من يمتلك القدرة على تحمل المشقة والصبر على قوت يومه، فهي واحدة من أصعب المهن وأكثرها ارتباطاً بالاستنزاف الجسدي للعمال القائمين بها فهي مهنة قديمة جداً واليوم يعمل بها الكثير فهل تخضع هذه المهنة إلى أسس وضوابط بسبب مشقتها؟

بثينة منى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار