في رســــالة ماجســــتير… الريف في روايــــات الأديب السـُّــــوري أحمــــد يوســف داود

العدد: 9527

الثلاثاء:11-2-2020

 

بحث أكاديمي رائد في الآداب يتناول الريف السوري السّاحلي وبعض ريفي حمص وحماة بالدراسة والتحليل، وتحديداً في أدب الروائي السوري أحمد يوسف داود، ويذهب إلى ما بعد الدراسة الأدبية لتأريخ الريف في الرواية السورية عبر الواقعية التسجيلية، وهو إضافة رائدة للرواية الواقعية السورية، بعدَ أن قصُرت الدراسات النقدية عن تناول ما سبق. جاء ذلك في بحث أعد لنيل رسالة ماجستير في كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم اللغة العربية بعنوان (الريف في روايات الأديب السُّوري أحمد يوسف داود) رسالة ماجستير مقدّمة من الطالبة ريتا مالك علي.

إذ لطالما ارتبطَ الإنسانُ بالرّيف والأرضِ التي وُلِدَ فيها وترعرع، تأثّرَ بها، وأثّرت فيهِ، روحيّاً ونفسيّاً وفكريّاً واجتماعيّاً، ما انعكسَ وينعكسُ على تكوينهِ الدّاخليّ والخارجيّ على مرّ العصور. وقد عانى هذا الرّيفُ من كافّةِ أنواعِ القهرِ والاحتلالِ والاستغلال على مدى عهودٍ طويلةٍ منَ الزّمن.
ولمّا كانَ الأدبُ مرآةَ المجتمع الصّادقة، وفنُّ الرّواية هوَ الجِنسُ الأدبيَّ الأقدر على الانفتاحِ على نِطاقاتٍ مُتنوّعة منَ الفنِّ والمعرفة، وُمعالجةِ واقعِ الإنسانِ البسيط، كونَهُ الحقلُ السّرديّ الأخصب للتّجريبِ في المضمونِ والبناء، كما بروزُ الفنّ الرّوائيّ في القرن التّاسع عشر – كأداةٍ ضدَّ النّظامِ البرجوازيّ القائم على الإقطاع والاستغلال والقهر، وظهورُهُ بفعل التحوّل الاجتماعي الذي أطلقَ عليه (الثورة البرجوازية)، اختارها البحثُ فنّاً أدبيّاً يخوضُ غِمارَهُ ويتكشّفُ معالِمَهُ، إيماناً منه أنّ الرّوايةُ تُسعِفُ في إنارةِ الماضي، وقراءةِ الحاضرِ واستِشرافِ المُستقبلِ من خلاله، ما دفعَ بالرّوايةِ الواقعيّةِ في سوريّة إلى البروزِ على السّطح، وامتلاكِ الرّواية ِمعها أداوتِها الفنّيّة، مُتّسمةً بصحوةٍ روائيّة من خلالِ الاقترابِ منَ الواقع الرّيفيّ السّوريّ، فجاءَت الرّواية الرّيفيّة أكثرَ نُضجاً منَ الناحية الفنّيّة من باقي الأجناس الأدبيّة الأخرى.

مسوّغات البحث:
«أحمد يوسف داود» أحدُ الكتّاب السورييّن، ممّن تميّزَ إبداعهم بالتنوّع والشّمولية، ومَن نهضَت كتاباتهُ بالروايةِ الواقعيّة في سورية، تحديداً في فترةِ الستّينيّات والسّبعينيّات. وقد توجّهَ هذا البحثُ إلى أدبهِ الرّوائيّ بالدّراسة، لأنّهُ ابنُ هذا الرّيفِ أوّلاً، وُلِدَ فيهِ وعايشَ قضاياه ومُعاناتَهُ المدروسة، لِما تذخرُ بهِ رواياتهُ من الخصائص الفنية والاجتماعية. كما أنّهُ عُنيَ بالتّوجّهِ إلى الرّيف، وجاءت رواياتُهُ رائدةً في التّأسيسِ لروايةٍ واقعيّةٍ تُعنى بالرّيفِ وقضاياه، في مرحلةٍ حسّاسةٍ من مراحلِ البلاد، قَصُرتِ الدّراساتُ النقديّةُ والأدبيّةُ عن تناوُلِها، ورصدِ ما عاناهُ ذلكَ الرّيفُ من ممارساتٍ إقطاعيّة، واضطهادِ البرجوازيّةِ الرّبويّة التي خلّفتها الأولى.
من هنا توجّهَ هذا البحث إلى أدبِ الرّيف، والتّنظيرِ لنوعٍ روائيٍّ لم يأخذ حقّهُ في الدّراسةِ والتّناول، وهوَ «الروايةِ الرّيفيّةِ السّورية»، وبسببِ نُدرة وجودِ دراساتٍ عُنيت به، ونظّرت لنشأةِ الاتّجاه الواقعي في الرّواية السّوريّة قبلَ السّبعينيّات، ولِما قدّمتهُ الرّواية الواقعيّةِ – التي وجدت في الريفِ مادّةً خصبةً لها-، للروايةِ السّورية من جرأةٍ فنّية، في رصدِ تلكَ التحوّلات المهمّة التي أصابتِ المجتمعَ الرّيفيّ آنذاك، وانعكاس ذلك على الفنّ الرّوائيّ السّوريّ.
ما دفعَ الرواياتِ المدروسةَ إلى الانتفاضِ على ذلكَ الاتّجاه الذي لم يكن يجرؤ على تناولِ الواقعِ، خوفاً من رقابةِ السّلطة آنذاك. فجاءت هذهِ الرّوايات إحدى النّقلاتِ المهمّة في مستقبل الرواية السّورية، والرّواية الواقعيّة على وجهِ التّحديد، عبرَ تفجيرها المحتوى الجديد لتلكَ الأشكال القديمةِ وأدواتها الفنيّة، المتمثّل بالانفجار الفلّاحيّ الثّورة الفلّاحية المطلوبة في نهايةِ الروايات في وجهِ كلّ تلكَ الأشكالِ الإقطاعيّة والبرجوازيّة، ما مهّدَ لانتهائها، وصدورِ قانونِ الإصلاح الزّراعي فيما بعد، القانونِ الذي ألغى كلّ تلكَ الأشكال المُستغِلّة في الرّيف المدروس.
توصيفُ البحث:
يتألّف البحث من مقدّمة، وثلاثة فُصول، وخاتمة. تأتي أهمّيّة الفصل الأوّل المَوسوم بـ «الرّيف والرّواية السّورية» من أنّهُ يحدّد مفهوم الرّيف والرّوايةِ الرّيفيّةِ لغويّاً، مُستعرِضاً مفهومَهُما الاصطلاحيّ النّقديّ، ومفهومَ الرّيفِ في ضوءِ العُلومِ الأخرى. كما يتطرّق إلى ظهور الاتّجاه الواقعيّ في الرّواية السّوريّة، والظّروفِ التي أدّت إلى ظهوره، وصولاً إلى التّنظير للرّيفِ في الرّوايةِ السّوريّة، وأهمّ الرّوايات التي تناولتهُ بالدّراسة، ورصد علاقة الرّيف بالآخر (بالمدينة والإنسان)، وتقابُلات الكِتابة بينهُما.
ويُخصَّص الفصل الثّاني المَوسوم ب «الخِطاب الروائيّ في روايات أحمد يوسُف داود»، للوقوفِ عندَ مفهومِ الخِطابِ الرّوائيّ، وتناوُل البحث العناصر الآتية تناوُلاً واقعيّاً وفقَ المنهج الواقعيّ، وهيَ: (الموروث الشّعبيّ، مفهومهُ والبحثُ في عناصرهِ، منَ الأمثال الشّعبيّة، والحكاية والأسطورة الشّعبيّة، والعادات والتّقاليد والمُعتقدات الشّعبيّة، وتوظيفُ الفنونِ الشّعبيّة مِن أغانٍ شعبيّة، وطعامٍ ولِباسٍ وأثاثٍ تقليديّ، وأهمّ القضايا التي تناولتها الرّوايات كصِراع القيَم بينَ الرّيف والمدينة، وهيَ قضيّة كانت بحاجةٍ إلى وقفةٍ واستقصاء.
أمّا الفصلُ الثّالث المَوسومُ بـ «البِناء الفنّي في روايات أحمد يوسُف داود، (الخيول ودمشق الجميلة) أنموذجاً»، فقد تناولَ مفهومَ البناءِ الفنّي في فنّ الرّواية، والوقوفَ عندَ بنيةِ اللغة في الرّوايات، المتمثّلة في بنيةِ السّردِ وبنيةِ الحوار، ومظاهرِ تجديد الأديب في البناء اللغويّ، كمزجِ السّردِ بالمونولوج، والعتباتِ النصيّة، والخَوضِ في تنوّعِ لغةِ الحوارِ بينَ ( الفُصحى واللهجة العاميّة الأصيلة، واللُغةالوُسطى واللغة الخاصّة)، مروراً بالتّناصِّ ومُستوياته في الرّوايات المَدروسة، لتأتي خاتمةُ البحث، فنجمع فيها أهمّ ما توصّلَ البحثُ إليهِ من نتائج.
وكانَ من أهمّ ما توصلَ إليهِ البحثُ في موضوعِ «الرّيف في الرّواية السُّوريّة» في أعمال الأديب السّوري «أحمد يوسُف داود» أنموذجاً للدّراسة:
* تناوُل الرّوايات المَدروسة بالنّقدِ والتّحليل واقعَ الرّوايةِ الواقعيّة السّورية الرّائدة في فترةِ السّتينيّات، التي بدأت بالظّهورِ علناً، بعدَ أن بقيت زمناً طويلاً على شكلِ صورٍ وملامحَ متناثرة في الرواياتِ التي سبقتها، ومتأثّرةً بالروايةِ الرّومانسيّةِ التي خنقت تلكَ التّعابير الواقعيّة طويلاً.
وقد رصدتِ الرواياتُ المدروسة أهمّ التحوّلاتِ الاجتماعيّة والنّفسيّة للمجتمعِ السّوري آنذاك، وتحديداً المجتمع الرّيفي السّوريّ الذي عانى زمناً طويلاً من ممارساتِ الذّيولِ التي خلّفَها المحتلُّ العثمانيّ والفرنسيّ في أرضِ سورية بعدَ استقلالِ البلاد، من ممارساتٍ إقطاعيّة، خلّفت وراءَها برجوازيّةً ربويّة، أثقلَت كاهلَ الرّيفِ السّوري بشتّى أنواعِ القيودِ، من فقرٍ واستغلالٍ وظُلم، ما انعكسَ على أدبِ تلكَ المرحلة، وولّدَ أشكالاً أدبيّةً أكثرَ جُرأةً وشجاعةً في تناولِ تلكَ التحوّلاتِ ورصدها.
* وقد تكونُ من أهمّ النّتائجِ التي أُسِّسَ من أجلها البحثُ منذُ إنتاشِ بذورهِ الأولى، هيَ التّنظيرُ لنوعٍ روائيٍّ لم يأخذ حقّهُ في الدّراسةِ والتّناول، وعدمُ وجودِ دراساتٍ مُستقلّةٍ عُنيت بالتّنظيرِ له، وهوَ «الروايةِ الرّيفيّةِ السّورية»، ونُدرةُ الدراسات التي نظّرت لوجود رواية واقعيّة سوريّة تُعنى بالرّيف تحليلاً وتوثيقاً، وترصدُ انعكاس ذلكَ في الفنّ الرّوائيّ السّوريّ، وما قدّمتهُ الواقعيّةُ التي وجدت في الريفِ مادّةً خصبةً لها، للروايةِ السّورية من جرأةٍ فنّية في رصدِ تلكَ التحوّلات المهمّة التي أصابتِ المجتمعَ الرّيفيّ آنذاك، وانعكاسِ ذلك على الفنّ الرّوائيّ السّوريّ.
* كما لم يحظَ الأديب السّوريّ «أحمد يوسُف داود» بدراسةٍ مُستقلّةٍ لنتاجهِ الأدبيّ الرّوائيّ، فهوَ يُعَدُّ أحدَ روّادِ الروايةِ الواقعيّةِ السّورية، ممّن أخرجوها عن صمتها، وأخذوا بيدها نحوَ النّهوضِ، وصوّروا ذلكَ الواقعَ المَعيشَ بجرأةٍ وواقعيّةٍ فنّيّة، ما شكّلَ انتفاضةً روائيّة على ذلكَ الاتّجاه الذي لم يكن يجرؤ على تناولِ الواقعِ خوفاً من رقابةِ السّلطة آنذاك. فجاءت هذهِ الرّواياتُ إحدى النّقلاتِ المهمّة في مستقبلِ الروايةِ السّورية، والواقعيّة على وجهِ التّحديد.
* لقد وضعتِ الرّواياتُ المدروسة «الرّوايةَ الرّيفيّة» التي لم تحظَ باهتمامٍ نقديّ كافٍ ومُستقلّ، في مواجهةِ الروايةِ المدينيّة التي حظيت باهتمامٍ كبير على مستوى الدّراساتِ النقديّة والفنّيّة.
* كما تناولَ البحثُ بالدّراسةِ رواية «دمشق الجميلة»، التي تُعَدُّ في الفنّ الروائيّ السّوريّ أوّلَ روايةٍ عن حرب تشرين التحريريّة، إلّا أنّها لم تحظَ هيَ الأخرى بقدرٍ منَ الدراساتِ والاهتمام، باستثناءِ عدّةِ دراساتِ قليلة متفرّقة، أتت على ذكرِ بعضِ ما جاءَ فيها، دونَ أن تنفردَ بدراستها دراسةً نقديّةً وفنيّةً مُستقلّة، وتَفيَها حقّها في الدراسةِ والتّحليل.
* وبالوقوفِ عندَ اللّغة، أظهرَت لنا اللغةُ عندَ الأديب «داود» تنوّعَها وأصالتها. فقد جاءَ التّجديدُ لديهِ في مختلفِ الأشكالِ اللغويّةِ المُوظّفة، من فُصحى ولهجة عاميّة، ولغة وُسطى، وصولاً إلى اللغةِ الخاصّة. وإنَّ أكثرَ ما مُيّزَ هوَ اللغةُ الوُسطى المُوظَّفةُ في الرّوايات، وهيَ استخدامِ اللهجةِ الريفيّةِ التي طُعِّمَت حواراتُهُ الفُصحى بها، تلكَ اللهجة المُتداوَلة في الريفِ المدروس، المُتجذّرة منَ الفُصحى في غالبيّةِ كلماتِها، ليبرهنَ بذلك على الأصالةِ اللغويّةِ فيها، وعدمِ ابتعادِها عنِ الجذورِ الفصيحةِ الأمّ، وبالتّالي عدمِ تشويهها الفُصحى، تميُّزاً لهُ عمّا خرجَتْ بهِ جميعُ الدّراساتِ النّقديةِ السّابقة مِن تعميمٍ وجزمٍ بتشويهِ اللهجةِ للغةِ الفُصحى، وعدم وجودِ دراسةٍ تُعنى باللهجةِ الريفيّةِ السوريةِ الأصيلةِ المدروسة.
من هنا دحضت هذه الدراسةُ مقولةَ الريف المتخلّف، والدراساتِ الكثيرةَ التي تناولتِ المدينةَ بالدّراسة، واكتسبت خصوصيةً من حيث إنّ المدنَ السّاحلية السورية أغلبُ تشكيلِها السّكانيّ من الريف.

نور محمد حاتم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار