العـــــدد 9526
الاثنيــــــــــن 10 شــــــباط 2020
لم تستطع الدراسات والنظريات مساعدة الأهالي بإزالة الأشواك المزروعة في طريق تربية الأطفال ربما ذللت بعض الصعاب إلا أن تغير الظروف جعلها غير صالحة في زمننا هذا، وكما يقول أرسطو جذور التربية مرة ولكن ثمارها حلوة، ولعل الأصدقاء من أكبر المشاكل التي يعاني منها الأهل، فسرعة تقبل الطفل لأي تصرف أو معلومة من أصدقائه تفوق تأثير الأهل بمئات المرات، هي تجارب عديدة أوصلتنا لنتيجة واحدة الأصدقاء قادرين على محو تعب السنين وغرس عادات وأفعال لم يسمح بها الأهل سابقاً…
تقول أم علي: لدي ثلاثة ذكور لذا كنت وأبيهم حريصين على تربيتهم بطريقة صحيحة معتمدين وسائل التربية الحديثة وقراءة الكتب إلى أن تطورت علاقاتهم الاجتماعية وبات لديهم العديد من الأصدقاء وأصبحوا يستخدمون ألفاظاً نابية لم يسبق وذكرت في المنزل أبداً وحتى الآن لا زلنا نعاني من هذه المشكلة فهم يرون أن استخدامهم لهذه الألفاظ دليل نضجهم.
وتقول مها جديد: يفوق تأثير الأصدقاء تأثير الأم والأب أحياناً كثيرة على الطفل فيتعلم تصرفاتهم لأنه يتفق معهم في التفكير والتطلعات وهذا ما يمهد لاكتساب معلومات قد تكون مضرة وقد تكون نافعة ويرغب الأطفال بالأفعال الجديدة ويبادرون إلى تقليدها دون الاهتمام إذا ما كانت سيئة أو جيدة بهدف لفت الانتباه خاصة إذا كان الطفل المقلد أو المؤثر قوي الشخصية مهيمناً، من هنا يستلزم مني كأم معرفة كيف يقضي أولادي أوقاتهم ومع من وقطع العلاقة مع ذوي الأخلاق الضعيفة والكلمات البذيئة وتقوية الرابط بيني وبينهم حتى يكونوا صادقين في نقل ما يحدث معهم في المدرسة وعدم لومهم على أفعال سيئة قرروا فعلها بهدف لفت الانتباه بين أقرانهم بل اعتماد أسلوب ذكي يساعد على فرض وجودهم والتخلص من ضعف الشخصية، كي لا أسمح لعلاقات أطفالي الخارجية بنسف العادات والأخلاق التي طالما عملت على غرسها في شخصيتهم.
فيما ترى ميس أن الاصدقاء سبب كل المشاكل والصراعات القائمة في المنزل وتقول أعمل جاهدة على انتقاء أصدقاء أولادي صحيح أنه لا يمكنني السيطرة على هذا الموضوع بشكل كامل إلا أنني قادرة فيما يتعلق بالنزهات وحياتهم خارج أوقات الدوام المدرسي.
ويقول أبو حيدر: لم نجنِ من الصداقة إلا تعلم التدخين والسهر خارج المنزل، فهناك مرحلة يصل إليها الأبناء نفقد فيها السيطرة عليهم وخاصة الذكور ليتربع الأصدقاء عرش القيادة.
أخيراً تقول سميا: يمكننا أن نستغل أصدقاء أطفالنا لإيصال الكثير مما نريد وذلك أولاً عن طريق اختيار الأصدقاء وتقوية علاقتنا نحن الأهل بهم فالأصدقاء لهم تأثير أكبر بكثير من الأهل، وبالتأكيد لا يمكننا نكران الآثار الإيجابية لوجود أصدقاء جيدين في حياة أطفالنا، لذا بداية الطريق تكون باختيار الأصدقاء.
فيما يرى الاختصاصيين الموضوع من زاوية أخرى وتقول الدكتورة ربا خليل، دكتوراة في تربية الطفل: بداية نعرف الأصدقاء أو جماعة الأقران هم مؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالأسرة والمدرسة ويعرف مفهوم الأصدقاء بأنه فئة من الناس تنشأ بينهم أواصر نفسية ويعتمد كل منهم على المجموع في تحقيق أهداف معينة أو تلبية احتياجات محددة وتمتاز بارتفاع الروح المعنوية لشعور أعضائها بالانتماء إليها والانجذاب لها والامتثال لمعاييرها وضغوطها، وتؤثر جماعة الأقران سلباً أو إيجاباً على أعضائها وفقاً لتكوينها ونوعية أعضائها وطريقتها في تحقيق أدوارها، فيما يتلخص تطور الصداقة بـالاقتران البدائي للصداقة والمشاركة المادية، المشاركة في الأفكار والمشاعر العقلانية والنفسية، التبادلية والتعاون والعناية بالآخرين، هذا وتلعب الصداقة دوراً أساسياً وهاماً تبعاً للمرحلة العمرية للشخص، فأصدقاء الطفولة عادة ما يكوّنون صداقاتهم بشكل عفوي في السنين العشرة الأولى ويكون في هذه المرحلة أكثر خضوعاً للمعايير العائلية حيث يتحكم الأهالي بأنماط السلوك ويوجهون ويرشدون أبناءهم، أما في مرحلة المراهقة فيزداد تأثير الأصدقاء وتصبح بعض السلوكيات التي يكتسبها من الأصدقاء في هذه المرحلة سمات راسخة وتمتد إلى بقية حياتنا وبعضها قد تكون مجرد تجارب نبتعد عنها فيما بعد، وليحقق الطفل في هذه المرحلة الانتماء إلى الجماعة عليه أن يحاكي ويقلد السلوكيات المميزة لها وهذا السبب الرئيسي لتغير سلوكيات المنزل، وتتعدد تسمية الجماعات التي يكونها الطفل مع أقرانه، فهي ترتبط بالخصائص المميزة لها فجماعة اللعب تظهر في المراحل الأولى من عمر الطفل وهي وقتية وسرعان ما تزول مع مرور الوقت، أما الشلة فتكون متماسكة أكثر ينتمي إليها الأفراد المتشابهون في الوضع الاجتماعي والمكانة، وينمتي الطفل إلى جماعة الشلة بعد عمر الثانية عشرة، أما العصابة فتتميز بالصراع مع جماعات أخرى تقوم بأنواع من النشاط لا يقبلها المجتمع وينتمي إليها الفرد في فترة المراهقة وهي التي لا نريد لأطفالنا أن ينتموا إليها لذلك علينا ن نعي حاجات أطفالنا ونشبعها بالطريقة الصحيحة كحاجته للحب والاحترام والانتماء والمعلومات فإذا ما عجزت الأسرة والمدرسة عن تلبية هذه الاحتياجات وترميم النقص الحاصل في شخصية الطفل يلجأ الطفل إلى جماعات ينتمي إليها قد تسهم في انحرافه قيمياً وأخلاقياً، لذلك على الأهل مراعاة التعرف على أصدقاء الطفل، استخدام النقد بلطف، ترتيب لقاءات للطفل مع أطفال آخرين جيدي السلوك، معرفة الخصائص النمائية للطفل، والعمل على مساعدة الطفل على تحقيق مفهوم إيجابي للذات وخصوصاً في مرحلة المراهقة.
أيضاً للمدرسة دور في ذلك حيث يمكنها تطبيق استراتيجيات إرشادية على مستوى المدرسة لمساعدة الأطفال على التعامل مع المشكلات ذات الصلة بضغط الأقران وتخفيض التأثيرات السلبية لها، توجيه المعلمين إلى أهمية العمل التعاوني والمشاريع وإسهامها في بناء القبول الاجتماعي للأطفال.
وإذا ما تحدثنا عن انحراف الطفل واستخدامه للكلمات النابية وإذا ما كان حرمان الطفل من أقرانه هو التصرف الصحيح؟؟ تختلف الإجابات بحسب عمر الطفل كما أوضحنا سلفاً وبحسب معاملة الأسرة للطفل وتفهمها لاحتياجاته ومدى قربها منه، لذلك نقول أن البيئة السليمة التي تحتضن الطفل بالحب والاهتمام والرعاية وتعمل على توفير الفرص المناسبة ليقابل الطفل أقران آخرين أو تستقبل أقرانه وتهتم بمعرفتهم وتبين لهم مدى مقبولية سلوكياتهم من المجتمع وفائدتها وضرورة توافقها مع المجتمع وعاداته – إن هذه البيئة لا شك هي الأسرة – وبتنسيق مع المدرسة خاصة في مرحلة المراهقة لتعمل على تحصين طفلها من الانحراف مع رفاق السوء.
رنا ياسين غانم