العـــــدد 9525
الأحــــــد 9 شــــــباط 2020
وقف تحت الثّلج المتساقط وقال: ها هي الجبال تنحني بثلوجها، ثمّ أطرق ملّياً وهزّ رأسه منتشياً للخيوط البيضاء وهي تُحيك أثوابها على الأرض.
سار بضعة أمتارٍ، فوجد فتاة تخبز الثّلج فابتسمَ وقال: من الثّلجِ أرغفةٌ تُطْفِئُ – كما النّار أيضاً – أكمل سيرهُ ليجدَ بساطاً ثلجيّاً، صاح بأعلى صوته: يا للصفحة البيضاء التي تصلح لكتابة أشعارٍ نقرؤها مرّة واحدةً، ثمّ تختفي قبل أنْ يسمع بها ذلك الأمير الذي كتب على بابه: (يُسمحُ بكتابة الشّعر تحت طائلة المسؤوليّة).
لم يجرؤ أنْ يكتب شيئاً، بل قال في سرّه بضع كلماتٍ لو صرّح بها لتعجّلت الشمسُ برحيلها، ولتمنّى الليل أنْ يكون أكثر سواداً.
ما زال يسيرُ، ليصادف الأشجار وقد اكتست ثوبها الأبيض الجديد، تاركةً اخضرارها في غفوةٍ هي كمتعة الصّحوِ بل أكثر، فتأملَ لو أنَّ مرآةً كبيرةً غطّاها الثّلج، لنسيَ أغلبُ النّاس وضوح قُبحهم أو سوء طالعهم أو… إلى أن تنهارَ الألوان بياضاً؟!
يوم تبيضُ وجوهٌ وتسودُّ وجوه، ليتني أسير نحو ذلك.
اليوم، قال ذلك والتفت إلى نهرٍ توقّف جريانه، فتساءل هل كان التوقّف ابتهاجاً أم حزناً؟
لا حُزناً ولا فرحاً، وإنّما الجريان أتعبه، وهو في استراحةٍ بيضاء.
لو يصل الثّلجُ السّماء، لصرنا نجوماً تُبعثرُ نجوميّة من يرسم خطّ الأفق بمسطرةٍ عرجاء، ثم قال ممتّناً: لو يتدفّق قلبي بالبياض، ربّما يتسع للعالم كُلّهِ ذلك العالم الذي اعتبر الدّماء فائضةٌ عن عروقها، فأراقها بكلّ الوسائل.
ليت للملوك تيجاناً بيضاء تنحني مع ثلوج قمم الجبال وخيوطها؟
كانت أمنتيه للملوك تصعد مع صوته كشلّالٍ متمرّدٍ، وحين انتبه لذلك خاف قليلاً واستعجل بالاختفاء، تاركاً الثّلج يتساقط لوحده.
سمير عوض