المســرح في هـــواه وحــوار مع الفنانـــة والكاتبة ريــم نبيعـــة

العـــــدد 9524

الخميس 6 شــــــباط 2020

 

 

بين أن نكون أو لا نكون، نختار الصمت لوقت، نترك ستارة ما تفتح أبوابنا على حكايانا، آلامنا، أفراحنا، وعن أحلامنا، ذاك هو المسرح الذي نتبادل معه الأدوار في مرآة، أو شارع أو وطن…
إنه المسرح الذي يستعير بعضاً منا في بعضنا، يحسس الأشياء، وينير عليها ضوءه الذي يخفت تارة أو يسطع تارة أخرى، لكن الأهم أن صوته عالٍ دوماً ..
لهذا كان المسرح عبر الزمن نحن، ونحن كنا على زمن مسرح ما، في وقت ما، وحياة ما … قد تكون قد تغيرت الأوجه والابتسامات، لكن الحزن فيه واحد.. يحمل قلباً لم يتغير، يسأل دوماً في أن نكون أو لا نكون ؟!، وبين أن نكون أو لا نكون يبقى السؤال الأهم..
من على مسرح قدم سورية وشقيقاتها والعالم الذي نحيا، بعض من أوجهه الجميلة، الشفافة، المثقفة، الراقية، جعلت من العمل المسرحي قدسية في تفاصيله وعمومه، وصيرت لآدابه لغة تدرس كي نكون؟!…
الفنانة والكاتبة ريم نبيعة (لينا نبيعة) خريجة دبلوم تأهيل تربوي كلية التربية في دمشق – ممثلة مسرحية في المسرح القومي من عام 1997- وهي موظفة بالمسرح بصفة ممثلة من عام 2003 شاركت في العديد من الأعمال المسرحية منها (الأميرة القبيحة، ليلى والذئب، جحا الرهيب والحمار العجيب، عودة جحا، موت موظف، محكمة، الذئب المغرور، هوب هوب، مازالوا، يغنون، كوميديا شو، سهرة في المقبرة، حسن وحسنة، كلب الآغا) كما أنها عملت كمساعد مخرج في العديد من الأعمال المسرحية ومنها حفل افتتاح مهرجان المحبة – وشاركت بعدة أعمال تلفزيونية (ليل المسافرين، لعنة الطين، أمواج، فلم العريضة، بارود هربوا، زمن الصمت، الرياح الأبدية، الينابيع الزرقاء، ممتاز يا بطل.. الخ)، وفي السينما شاركت بفيلم (ما يطلبه المستمعون، العدادون)، كما أنها تكتب العديد من المقالات الصحفية في جريدة البعث)، ولأن الهوى في فلك الإبداع كان لا بدّ من احتضان بعض الوقت في حوار معها:

 

** لماذا كان المسرح هوى الهوى الأكبر لحياة ريم نبيعة؟
* بصراحة لم أكن على موعد مع المسرح أبداً رغم مشاركاتي بجميع الأنشطة المدرسية والجامعية، كنت طالبة مجتهدة وفأرة كتب كما يقال، ولكن الصدفة البحتة جمعتني بخشبة المسرح وعلى ما يبدو كان الحب من النظرة الأولى، عشقت المسرح بكل ما فيه من تعب ووجع وفرح وفكر وثقافة، وكان لزوجي الفنان فايز صبوح دور مهم بحبي لهذا الفن الجميل والصعب.
** عندما يقال: «أعطني خبزاً ومسرحاً، أعطيك شعباً مثقفاً» أين تكمن أهمية المسرح في البناء الإنساني لمجتمع ما؟
* لم يقل الكاتب والشاعر برخت هذه المقولة عن عبث، إنها دلالة واضحة على أثر المسرح التنموي وأهميته الخلاقة في تقدم المجتمعات بشكل عام، ولكن بعد ما آلت إليه الأمور من ألم ووجع بعد تسع سنوات من الحرب باعتقادي أصبحت المقولة (أعطني خبزاً وخبزاً وخبزاً أعطيك مسرحاً وشعباً مثقفاً).
** وأنت الكاتبة الشفافة، رفيقة الحرف، كيف تتبادل وتترادف قيمة الكلمات مع المسرح وتصيغ فناناً مسرحياً متميزاً؟
* الفن عموماً لا يتجزأ.. وهنا يفترض التفريق بين الاختصاص والموهبة بأي نوع من الفنون .. فأنا لا أعقل أن يكون فناناً مسرحياً لا يملك زمام الإحساس بالكلمة بلحنها وصياغتها وجمال لفظها، الكتابة مفتاح فريد جداً بما يخص الولوج لعمق الشخصية المسرحية ولاسيما لي بعض المحاولات بكتابة نصوص مسرحية وأدبية، وبذات الوقت الفن المسرحي يسمح للكاتب بالاطلاع على العديد من أنواع الأدب المحلي والعالمي وبهذا إغناء للمخزون الثقافي للكاتب بشكل عام والفنان المسرحي بشكل خاص.
** يتهم المسرح العربي عموماً والسوري خصوصاً باستقدامه واستخدامه للنصوص الغربية كثيراً على خشبته، ما رأيك بهذا؟
* برأيي الشخصي هذا الموضوع شائك ولا يعني إطلاقاً عدم توافر النصوص العربية، ولا يعني كذلك أن في استقدام النصوص الغربية مشكلة تذكر، ولكن هناك نوع من الاستسهال لدى أغلب المخرجين بهذا الأمر، لذلك يستقدمون النصوص الغربية ويجرون لها إسقاطات على واقعنا العربي، أحياناً يفلحون وأحايين أخرى لا يوفقون بذلك والسبب عدم معالجة النص بشكل جيد .
** الموروثات الفكرية بأنواعها لدى مجتمعاتنا، كيف تؤثر برأيك على الحرية ومن ثم الإبداع في الفنون عموماً والمسرح خصوصاً؟
* من الطبيعي والبديهي والمفترض أن يؤثر الموروث الفكري في تقدم المجتمع وتطوره وبالتالي سينعكس ذلك على باقي مناحي الحياة ومنها المسرح ولاسيما أنه عامل مهم جداً في التغير والتقدم على مر العصور، ولكن بعد ما جرى بهذه السنوات التسع من حرب ومن دم وقتل وحشي، أصبح لدي شك بمدى صلاحية هذا المورث فربما فقد صلاحيته، أو كان حبراً على ورق، وربما لم يكن هناك أي موروث سوى الموروث المتعصب الجاهل الخالي من أي فكر حضاري خلاق.
** كيف تقيمين المسرح العربي والسوري حالياً؟
* من خلال اطلاعي الضئيل على المسرح العربي لا أستطيع إعطاء أي قيمة تذكر، أي لا أستطيع تقييمه، وأتمنى أن يكون على ما يرام . أما المسرح السوري يمتاز بصفة التفاوت الفظيع بين سوية العروض، وفي ظل الأزمة اختلط الأمر علينا، فالكم الهائل من العروض المسرحية لا يعني أبداً أن المسرح السوري بصحة جيدة وقد تعافى من موته السريري، وطالما أن الممثل المسرحي ليس بخير إذاً المسرح من الصعب أن يكون بخير .
** لكل عمل متاعبه ومشكلاته، ما هي متاعب العمل المسرحي؟
* أنا أقول المسرح هو أبو الفنون وأبو المتاعب والهموم الجميلة التي لا تنضب ما بقيت الحياة، والتعب المسرحي بكل جماله ووجعه له طعم خاص عند الفنانة المسرحية (الأنثى) فالهم مضاعف والعمل مكثف والشغف بحجم فضائه الشاسع، أن أكون ممثلة مسرحية فهذا يعني أن أكون بسبع أرواح وسبع قلوب ودماغ ثلاثي الأبعاد لخلق حياة متوازنة بين بيتي وأسرتي وعملي، ناهيك عن أجور العمل التي لا تليق بقطرات العرق التي تهدر على خشبتنا الغالية رغماً عن كل شيء، والتعامل بشخصنة في الإدارة ومن ليس معنا فهو ضدنا حتماً، ناهيك عن سياسة الخيار والفقوس كما يقال بالعامية، حيث يجعل المكان يضج بالمؤامرات والضغينة والنفور بدلاً من الحب والتمسك والإيمان بما نعمل ونقدم لجمهورنا الوفي.
** في سورية وعلى أرضها، أكبر عرض مسرحي تراجيدي، هل يواكب الفن السوري عموماً والمسرح خصوصاً قيمة هذا الواقع المؤلم ؟
* ما جرى ببلدي الحبيب بتلك السنوات التسع العجاف لن تستطيع كل أنواع الفنون أن تفيه حقه، وحالات الألم والقهر والعذاب الذي مر بها الإنسان السوري لا تختصر بعمل مسرحي أو بتأليف كتاب أو قصيدة، وأغلب الأعمال المسرحية التي قدمت ضمن هذا السياق كانت عبارة عن نقل وتجسيد لما جرى على أرض الواقع، وهنا لم نكن موفقين بذلك، فالمسرح هو أداة تغيير وتطوير وإيجاد حلول وملاذ للجمهور الذي أنهكته الحرب وويلاتها.. فهو لا يأتي للمسرح كي يجد على خشبته مشاهد مماثلة للمشهد المأساوي الذي يعرض على المسرح الكبير لحياة الشعب السوري العظيم, يقول فكتور هوغو، (من يفتح باب مدرسة ..يغلق باب سجن) فدعونا نتخيل ماذا سيحدث لو فتحنا باب مدرسة ومسرح ..
وبهذا الخصوص لابد من ذكر التجربة المسرحية الرائعة التي أخوضها للسنة الثانية مع أطفال جمعية أرسم حلمي الفنية، ونحن الآن بصدد التحضير لعروض تليق بعقول أطفالنا.

سلمى حلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار