العـــــدد 9524
الخميس 6 شــــــباط 2020
فنان التصوير الضوئي، يعشق الجمال يسرق اللحظة من زمنها، ويسرق زمنها من خياله، هو الهارب باتجاه تفاصيل الأشياء، ينتظر وينتظر، يراقب ويراقب، ينتظر لحظة الضوء المناسبة ويسابق الشمس قبل طلوعها، ويترقبها عند لحيظات المغيب…
فنان يعشق الطبيعة، يرحل إلى التعب الجميل، تدفعه الإرادة للتجربة وتعلمه التجربة حسن الاختيار.
لا يحمل ألواناً ولا فرشاةً للرسم، هو يرسم بالكاميرا، هو صياد ماهر، يعرف كيف وحتى وإلى أين يوجّه عدسة كاميرته، يصطاد اللحظات الهاربة سريعاً باتجاه العدم، أو التي لا تتكرر، هي اللحظات التي تقف لثوانٍ عند محطات الزمن، فتفتح الأبواب له ويكون جاهزاً لدخول محراب الطبيعة، السيدة التي يعشقها، فينتفض صدره فرحاً لرؤية الجمال، وتسبح روحه في بحر من الخيال الواسع المريح فتتعانق الروحان وتتحد دقّات القلبين وتولد الصورة من رحم العناق.
صورة هي التنهيدة المتوحدة بين الفنان المصور والجمال الرباني الأخّاذ الطبيعة،
فتتحول الطبيعة إلى كلام يشبه الكلام، كلام تجاوز المبالغة إلى العشق…
هي العلاقة التي لا تتحدد ولا يمكن الإمساك بها، هي ومضة الفراغ تمر كالماء بين الوقت والفصول، بين اللحظة واللحظة، بين الواقع والخيال..
ينتظر تنهيدة الغيمة، وكيف يغزلها الريح بمغزالة، فتنزل إلينا خيوطاً من الماء، فيولد خط الأفق أمام عينيه في أروع ما يكون، وتندفع الصورة بالتفاصيل على إيقاع ومضة عدسته..!
اختيار اللوحة (الصورة)
تتعدد مواقع اللقطات، تتغير الزوايا، تختلف المواضيع، تولد صورة لها مكوناتها الجمالية والرمزية، صورة قد لا تتكرر، وأخرى ربما كانت تقليدية وبعضها الآخر قد يكون مركباً تركيباً، أي صورة مصنّعة (مفردات المنظر من قبل الفنان ذاته) فتأتي الصورة بأبهى ما يكون عليه من الجمال الأخاذ، غير أنه قد يوجد هناك من يقول: إن الصورة التي يلتقطها الفنان المصور المبدع قد تحدد ملامح أفكاره، وقد تكون انعكاساً لملامح أفكاره.. وقد تكون صورة أخرى لها دلالتها لشخصية الفنان ذاته..؟
والبعض من الفنانين يقدم صوراً غريبة الطابع، صوراً رمزية تجريدية تنبئ عما يضمره الفنان دواخل أفكاره، من فنتازيا اختياراته والتي بدورها تحدد تركيزه الوجداني والإنساني على المواضيع المختارة بالإضافة إلى اهتمامه بالناحية الجمالية والفكرية، وذلك من خلال تنويع اللقطات للمنظر الواحد؟
فلسفة الصورة
الفنان المصور الضوئي، يقدم مواضيعه محمّلة بالأفكار والقيم الجمالية والمضامين الفلسفية التي تحمل الكثير من إشكاليات التفسير.
فنان التصوير الضوئي دائم الصحو، متيقّظ دائماً، جاهز للرحيل إلى البعيد الجميل الذي يحبه في سبيل الوصول لمشهد يحمل الصدق والانسجام مع الهدف أولاً ثم مع مفردات الصورة، فهو أي الفنان يسعى ليقدم لقطة تحمل فكرة ورمزاً ولها هدف، وبالتالي يجب أن تكون ذات معنى، تخدم عملاً ما.. أو فكرة ما..؟
تأثير الصورة
للصورة وحسن اختيارها (زماناً ومكاناً) بالإضافة إلى الفكرة والهدف والجمال المنشود لها تأثيرها الكبير في رفد المشهد البصري بحقائق طبيعية وواقعية.. فالصورة بما تحمله من معانٍ متعددة ومتنوعة، متأزمة (متوترة، مفرحة، قلقة، حائرة)، فهي تقدم لغة رؤيا، حياة، وربما تقدم ألماً لأنه لحظة عابرة ترصدها العين البشرية لتخلدها في شيء حسيّ ، ومادي بواسطة آلة التصوير.
صور لها تأثيرها علينا، نحسّها، وربما أحسسنا أنها تدغدغ روحنا.. لأنها رصدت حالنا الروحي والنفسي والحياتي.. بل رصدت لحظات من القلق… والانتظار.. والألم الجميل.
غازي زربا