حسين صقور: في الفن التشكيلي أترك العنان لنفسي ولفرشاتي لتخط صوراً

العدد: 9520

الاحد: 2-2-2020

 

فنان وناقد تشكيلي وشاعر، من مواليد اللاذقية سورية – 1971، متفرغ للعمل الفني، وهو عضو اتحاد الفنانين التشكيليين له معارض فرديّة عدة فضلاً عن معارض جماعية وملتقيات منها (الشجرة، إهدن، المحبة للتصوير الزيتي، ومهرجان المحبة ومهرجان البحر ومهرجان المونودراما ومعارض الخريف والربيع والمعارض السنوية لفناني القطر).:

الفنان حسين صقور، أعماله مقتناة من وزارة الثقافة، والإدارة السياسية، ومحافظة اللاذقية، وفي بلدان عربية وأجنبية عدة، وضمن مجموعات خاصة وفي مجال القصة له مجموعات شعرية وقصصية عدة منها كتاب شعري حين تشتعل الحروف ومجموعات أخرى قيد الطباعة والنشر: وطن الفينيق وعناق اللون والكلمة وهي قراءة جمالية ونقدية في التشكيل السوري، إضافة إلى مشاركات قصصية مطبوعة، وهو عضو ضمن مجموعة مبادرات الأدبية، وقد أقام مؤخراً أمسية شعرية في المركز الثقافي باللاذقية.

* متى وكيف بدأت وما هي المواقف الحياتية التي وجهتك إلى هذا الطريق؟
** كنت ولا زلت أقول إني بدأت حين ولدت وربما قبل وأنا أشير هنا إلى الجينات الوراثية كما أشير أيضاُ إلى المواقف الحياتية التي أسهمت في تكوين طبيعتي وشخصيتي، بذور الشعر والفن تولدان مع الإنسان ودائماً هناك محطات تغذيهما طفولة صعبة أو مميزة, تجارب حياتية, قصة حب, وغيرها في لحظات استرخاء كنت أجول في صور الذاكرة والمواقف الحياتية لأستعيد أكثرها تأثيراً على شخصيتي في محاولة للكشف والتحليل، عشت طفولة مميزة وسعيدة ومراهقة صعبة وقاسية لم تتوفر فيها أدنى مقومات الرعاية أو التوجيه لشاب طموح تشتعل الأفكار في رأسه، وكان سعيي اللاحق في مراحل حياتي كلها وإلى الآن هو استعادة صورة ذاك الطفل النجم في نظر أبيه تحديداً وأعتقد أني اكتشفت الآن لا يمكن لأي منبر أو صالة عرض في العالم كله أن تساوي ذاك الشعور الذي كان ينتابني حين كنت أجيب على حزازير أبي الفخور وأسئلته في الحساب أمام ضيوفه وأصدقائه، صور ومواقف كثيرة لازالت عالقة في ذاكرتي ولازال تأثيرها حاضراً وقد شكلت شخصيتي الصامتة الهادئة المشتعلة والمتمردة على كثير من القيم والعادات وحتى لا أجملها كثيراً أقول الانطوائية أحياناً، أما استعراض هذه الصور فيحتاج إلى المئات من الصفحات، رغم أنه قد وجه لي مثل هذا السؤال مراراً من بعض العاشقين للتشكيل إنما أعده من الأسئلة الذكية الكاشفة وغير الاعتيادية، لست أدري لماذا أشعر برغبة القفز دوماً نحو تلك الأسئلة، ربما سعياً لحديث أكثر عمقاً يتجاوز ما بين سطوره السير الذاتية ليصل تدريجياً إلى دلالات تكشفها الألوان والمفردات.
في الثانية عشرة من عمري كنت أعمل في محل للسمانة وكان صاحب المحل يتركني لفترة خلال النهار كنت أستغل فرصة وجودي وحيداً وقلة الزبائن وأكتب مذكراتي ثم أخفيها بين طاولة المحل والحائط وحين تسلم أخي الأكبر العمل بدلاً مني كنت قد نسيت ما كنت أقوم به ولكنه اكتشف الأمر واطلع على ما كتبه هو وصاحب المحل، ربما فاجأه المستوى ولكني شعرت بإحراج شديد حين واجهني موقف كهذا ومواقف أخرى كثيرة مشابهة كتلك التي أظهر فيها مخالفاً ومتمرداً في حواراتي جعلتني ألوذ للانزواء وحيداً .. آثرت الصمت وتوجهت للتشكيل على حساب الأدب رغم كل الدلالات التي تشير إلى عشقي المبكر للكتابة القصصية والشعرية ولكني وجدت المبررات للعودة الجادة لهذا الشكل من أشكال الفن والنشر خلال سنوات الأزمة.

* كفنان تشكيلي وشاعر إلى أين؟ وما هدفك المستقبلي؟
** نحن محكومون بالأمل، إن كل ما قمت به من تشكيل وشعر وقصة خلال سنوات الأزمة كان نتاج الحب الذي ينمو ويزدهر في ظل قسوة الحياة أما إلى أين؟ فذاك سؤال مؤلم لأني لست في موقع مسؤولية يؤهلني لإحداث تغيير ما في الواقع بحيث يمكنه أن ينعكس بالمنفعة على الفن السوري بشكل عام وعلى الفنان بشكل خاص.. رسمت في أسوء الظروف المادية والاجتماعية والسياسية، كتبت عن فنانين تشكيليين سوريين بنفس حسي سلس يدخل القلوب دون استئذان وغصت في تحليل العمل التشكيلي من كافة جوانبه كاشفاً عن الأسلوبية ومترجماً التجليات الروحية عبر لوحات جديدة ومن كلمات، كنت أطمح دوماً للمكانة التي أستحق والتي من خلالها أتواصل مع الجميع وأخدم الفن في وطني لاعتقادي الدائم بأننا لا نقل قيمة عمّن سبقونا في كافة المجالات فعلى هذه الأرض قامت أعرق الحضارات، إن الثقة وديناميكية العمل والكشف ودعم المبدعين الحقيقيين دون أي محسوبيات هو ما نحتاج إليه.
* في ظل الواقع الذي يعيشه الفنان التشكيلي، كيف ترى واقع التشكيل السوري اليوم؟
** الفن والإبداع يولدان من رحم المعاناة ولكنهما يحتاجان دوماً إلى الوقت والرعاية، إن كان للأزمة انعكاس إيجابي على شكل الفن فلها انعكاسات خطيرة على حجم وكم الإنتاج الفني عند فنان صارت تشغله لقمة عيشه ولك أن تقدري الآن وضع الفن وواقعه في التشكيل السوري، حين تكون المصلحة العامة هي الشغل الشاغل، حين يسود التعاون وتسود المحبة، حين يعطى كل ذي حق حقه، حينها فقط سنخرج من الأزمة أكثر قوة ومعافاة وحينها فقط سنأخذ دورنا الذي نستحقه كفنانين، علينا أن نتخلى فقط عن عقدة الدونية وفكرة التبعية. وننتج قدر ما نستطيع فناً يمثلنا ونعبر من خلاله عن ذاتنا، هذا دور الفنان وعلى القائمين على الفن تقديم الدعم والرعاية والخطط التي من خلالها تستطيع استثمار ذاك النتاج.
* أنت تمارس الفن وتكتب الشعر أيضاً، متى تلجأ إلى كل منهما..؟
** بالنسبة لي كل منهما يغذي الآخر الكلمات الشعرية والأفكار القصصية حاضرة دوماً بطبيعة شخصيتي الحالمة والمتأملة والمتفاعلة حسياً وبصمت مع المواقف والحالات الإنسانية التي ينتجها الحدث (فراق، رحيل، فقر .. تشرد) تلح عليّ الأفكار مراراً على حين أستحم أو على قارعة الطريق وعبر خطاي المتباطئة أو المتسارعة يمكنك أن تخمن طبيعة تلك الأفكار، أما أنا فأسردها حين أتشبع بها وفي لحظات صفاء روحي لتأتي إما على شكل قصص قصيرة وربما أوظفها في روايات، أو شعراً حين يصير التأكيد منحصراً على المشهد والحالة الوصفية فتأتي عبر إيقاع سلس وتتدفق الكلمات كما الشلال لتغني بحيرة الشعر بصور جديدة لها اسقاطاتها ودلالاتها الرمزية فالأنثى هي الوطن ووطن الفينيق هو عالمه الجديد يشكله ويرسمه كما يحلو له وكما يريد، وحين أرصد تداعيات الحالة وأثرها في ذاتي المشككة دوماً بالقيم المتوارثة تتحول الحالة الشعرية إلى منولوج داخلي ومحاكاة للذات (أتمدد على سطح دمعة) أشير هنا إلى حجم الألم في ذاتي ثم في مقطع آخر، (أحتسي وجعي وأسرجه ضوءاً من كلمات، أحوله أي الألم إلى طاقة مبدعة) وفي قصيدة أخرى (الحاويات جائعة) مع الشعر أمتلك جناحين وأحلق بحرية معه أعيد التوازن لذاتي المشبعة بأحلام مقهورة.
أما في التشكيل عندي فأنا أترك العنان لنفسي ولفرشاتي لتخط صوراً من الذاكرة الضبابية وأبقى مراقباً حسياً يقظاً لما يمكن أن تفعله الفرشاة من لمسات متجاورة ومتراكبة وتوشيحات ويبقى للعمل قيمته في كل مرحلة من مراحله بينما تكشف اللمسات الأخيرة والمساحات اللونية والحيادية في الخلفية عن تكوينات غرائبية تشبهني وتشبه حسي الانفلاتي ويبقى الجسد الأنثوي وسيلتي في التعبير إنما عبر خطوط أكثر عفوية ومشحونة بالحالة اللحظية التي تربطها بمجريات الأحداث وأثرها في ذاتي…
في العموم أجد الفرق ما بين التشكيل والشعر هو أن تلك التجليات الروحية التي ترافق الحالة الشعرية لا تظهر من خلال التشكيل إلا في مراحل متقدمة فليس كل رسام فنان وليس كل فنان مبدع، والإبداع يتحقق من خلال الندرة والخصوصية.. الفن ليس تقليداً وتعلماً، هو بصمة خاصة يصعب تكرارها أو تقليدها لأنها خارجة من عوالم الذات الفريدة في اللاوعي، أما غالبية المعارض المقامة فبكل حب وودّ أقول إنها تنتمي للمهنية أكثر، أرجو أن يفهم كلامي هذا كشكل من أشكال الحرص والصدق مع الذات

مهى الشريقي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار