العدد: 9520
الاحد: 2-2-2020
بتثاقل، قادتها قدماها إلى الخارج، كانت قد ارتدت ثوبها الرمادي المائل إلى الأزرق الفاتح، حملت معها ما تيسر لها من هموم، ومشاعر خوف وقلق مصفقة وراءها باب المنزل..
استيقظت باكراً على صوت ديك الهاتف المحمول، استمعت لآذان الفجر، صلت، وابتهلت شاكرة الله تعالى على نعمة الصلاة والقيام..
اللهم اجعل يومنا خيراً، وارزقنا من نعمك صحة وعافية ورحمة يا رب العالمين،
رتبت البيت، وضعت كل شيء مكانه، هي لا تنسى شيئاً، حضرت الفطور لابنيها، وتركته على أهبة التناول لكيلا يتأخرا عن امتحان الجامعة، أغلقت الباب وراءها، كم قصيرة وطويلة المسافة ما بين بيتها ووجهتها، حملت معها كل شيء حضرته مسبقاً، الصور الشعاعية، والتحاليل وكمشة من القلق والهم، أما زالت عيادة الطبيب بعيدة، قالت، لا…خير إن شاء الله.
كانت المسافة قصيرة، لكنها استطالت وتمطت، صخب الشارع، ضجيج السيارات مزاميرها، وحركة المارة، حتى الباعة وطلبة المدارس والجامعة، كل ذلك لم تلحظه، في مشيتها المتثاقلة المتسارعة..
في غرفة الانتظار، كل الوجوه واجمة، خائفة من القادم على لسان الطبيب، العيون معلقة ما بين ساعة الحائط الباردة ووجه الممرضة المتبلد بفعل الروتين.
* نعم.. بعد قليل يحضر الطبيب.
* لو سمحت سجلي لي دوري
* أنا أول الداخلين إلى غرفة المعاينة.
الوجوه ماتزال معلقة بوجه الممرضة: من أول مرة؟ من مراجعة؟ هل أحضرت معك ما طلبه الطبيب منك؟
* نعم، دكتور، غرفة الانتظار حاشدة بالمراجعين، نعم كل شيء جاهز، الأضابير والاستمارات والبطاقات، أهلاً دكتور..
خف وجوم المنتظرين، ازدادوا تعلقاً بالممرضة..
* رجاء.. ادخليني أنا أولاً..
* حسب الدور إلا إن سمح لك المراجعون.
صباح الخير.. أهلاً دكتور.. ابتسم محيا المنتظرين.. دخل المرضى حسب دور حضورهم.. تفضلي.. دورك.. أهلاً وسهلاً.. لا بأس.. قالها الطبيب.. الأمور تحت السيطرة.. هناك كتلة.. وسنحاربها وسننجح إن شاء الله.. صحيح أنك تأخرت، لكنك أتيت قبل حلول الخطر.. أجري هذه الفحوصات والتحاليل الدموية والنسج، في اليوم التالي قصدت المشفى، لقد قرر الطبيب لها حطة علاجية ناجعة، استبشرت خيراً،
وامتثلت للتعليمات، وحضرت نفسها للجرعة الأولى..
في المشفى وبين عديد المرضى في الغرفة المخصصة لذلك، تعرفت إليهم، استمعت إلى حكاياتهم مع هذا الضيف الثقيل، تحدثت إليهم، وبكل إيمان بالله ورضى بالقدر، وبقوة وثقة وأمل بالشفاء..
وضعت الممرضة لها السيروم.. انطلقت الجرعة في وريدها، بينما راحت تبسمل،
تدعو الله بالشفاء، يحدوها إيمانها بربها وأملها بحياة ملؤها الصحة والعافية والرضى.
خالد عارف حاج عثمان