لزوم ما لا يلزم … في الجمعية العلمية التاريخية بجبلة

العدد: 9520

الاحد: 2-2-2020

 

قدمت محاضرة بالجمعية العلمية التاريخية بجبلة حول لزوميات الشاعر السوري الفيلسوف أبي العلاء المعري، قدمها الأستاذ محمد صالح إبراهيم، تضمنت مقدمة عن الشاعر والكتاب الذي يعد من أمهات الكتب العربية في الشعر والنقد والأدب ورأي النقاد والأدباء والشعراء به ورأي أبي العلاء بالدنيا والآخرة، وعلى هامش المحاضرة تحدث الأستاذ صالح لجريدة الوحدة حول المحاضرة:
كان من دواعي سرورنا بداية أن نقدم هذه المحاضرة بالتزامن مع إعلان الجيش العربي السوري عن تحرير مدينة معرة النعمان مدينة الشاعر المعري، المدينة التي دخلها شذاذ الآفاق أصحاب الفكر الظلامي الذين طالما انتقد المعري أسلافهم وأجدادهم في عصره وعراهم على حقيقتهم، وأن الدين منهم براء إذ أول ما فعلوه عند دخولهم المدينة قاموا بقطع وتحطيم رأس تمثاله بالمعرة معبرين عن حقدهم الأعمى والدفين لحرية الفكر والعقل والعلم، ولا بد في البدء من التعريف بالشاعر والفيلسوف، فهو أحمد بن عبد الله التنوخي الذي ولد في معرة النعمان سنة 449 للهجرة لأسرة لها مكانة مرموقة في العلم والأدب، أصيب في الرابعة من عمره بالجدري ليفقد على أثرها بصره ويكمل حياته كفيفاً لست وثمانين سنة، بعد فقده لبصره انصرف للدرس والتأليف والتحصيل ملازماً بيته، له من المؤلفات ما يفوق خمسين مؤلفاً أهمها سقط الزند ورسالة الغفران واللزوميات، وهي أكبر وأضخم مؤلف له إذ تفوق عشرة آلاف بيت من الشعر وسميت هكذا لأنه لو سقط آخر حرف تنتهي به القافية لما تغير وزنها بشيء، واللزوميات فيها آراء المعري في الحياة والدنيا والناس وذم الحياة والدنيا ورجال الدين، و يعد أبو العلاء علامة فارقة من حيث أنه لم يمدح حاكماً ولا سلطاناً ولا استرضى ولا تزلف أو طلب أو وقف بباب سلطان، ألم بفلسفة اليونان وحكمة الهنود واطلع على كافة الشرائع والأديان في الأرض وعلى عادات الناس وتقاليدهم كما عرف كافة الأحداث في تاريخ العرب القديم وألم بكافة جوانب اللغة العربية شعراً ونثراً وقواعد وعروضاً ومفردات، المعري كان صادقاً في أقواله، حراً بأفكاره ومعتقداته، دعا الناس إلى الابتعاد عن الرياء والدجل كره الظلم وأراد ديناً يهدي- كما أراده الله- للتي هي أحسن، كتب كثيراً عن الظلم والقهر والنفاق ولم يجد بارقة أمل في المجتمع على الأقل في عصره إذا كان عصره حلبة صراع بين المذاهب ولم ير سوى رجال دين يتملقون الحكام وذوي الجاه والسلطان طلبا للمنافع ويرمون كل من يستنكر أعمال الحكام ومفاسده بالكفر والإلحاد والزندقة ليصل الأمر أحياناً بفتوى قتله، كما ورأى حكام عصره ينصرفون إلى اللهو والمجون وهدر أموال الأمة على الشعراء والمغنين والجواري، فأثارت هذه الأعمال آلامه وشجونه فأعلنها حرباً بلا هوادة ضدهم وخاصة المنافقين وأدعياء الدين وفند دجلهم وأكاذيبهم وعندما انتقد أخطاء الناس فمن الطبيعي أن يجد أعداء وخصوماً وخاصة رجال الدين والمتزلفين إلى السلطان أدعياء الدين المنافقين هؤلاء كلهم تصدى لهم فكفروه واتهموه بالكفر والزندقة وأبرزهم ابن الجوزي والزمخشري، وآخرون رفعوه إلى مقام الصديقين كابن العديم، وإذا ما اختلف الناس معه حول أفكاره ومعتقداته لكن الجميع يعترف بعبقريته الفذة وسعة علمه وغزارة إنتاجه، وصحيح أنه شكك بالأديان ونفاق أدعياء الدين فإنه لم يشكك يوما بوجود الخالق وقدرته، وشاهد خالقي أن الصلاة له أجل عندي من دري وياقوتي، رتب أبو العلاء لزومياته حسب تسلسل حروف المعجم لكنه لم يلتزم ترتيب الموضوعات أي أن القصيدة الواحدة قد تحوي أكثر من موضوع وآراء شتى لا يجمعها سوى جودة السبك ومتانة اللغة ودقة الملاحظة كأن نجد في قصيدة واحدة ذم الدنيا والناس والحديث عن قاعدة لغوية في النحو والصرف والعروض وشيئاً من عادات الفرس والهند واليونان يقول: ومن تأمل أقوالي رأى جملاً يظل فيهن سر الناس مشروحاً ويقول: ولا تطيعن قوماً ما ديانتهم إلا احتيال على أخذ الأتاوات وقد حوت لزوميات المعري فقه الفقهاء ونحو النحاة وكلام المتكلمين وفلسفة الفلاسفة سواء أكانوا عرباً أم عجماً ونجد أنه شخص غريب الأطوار متردد بين الشك واليقين، وتتنوع القصائد من حيث الطول والقصر لتبدأ من البيتين إلى السبعين بيتاً.

آمنة يوسف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار