اللــــون الرمــــادي في عيــــون أصحاب الفــــن

العدد: 9519

الخميس:30-1-2020

 

للألوان دلالاتها وتأثيراتها المختلفة على الإنسان، بل ربما تعكس صوراً حقيقية لما في داخله..

وقد نصنف الناس تحت مسميات لونية فهؤلاء سوداويون وغيرهم متفائلون بالأبيض الذي يمثلهم، قد نجد ورديين و.. و… لكن الغالبية تنفر من الرماديين الذين يقفون على الحياد متحفظين شديدي التخفي والكتمان لا يظهرون معالمهم الحقيقية.
ولكن من أدرى من أهل الفن التشكيلي بحقيقة اللون الرمادي لنسألهم عنه، وعن علاقات الرمادية السكيولوجية بالتوجهات الشخصية؟
هل هو لون النفاق بما أنه ارتبط بفئة اجتماعية معينة، أم يفضل تسميته باللون الحيادي؟
أنسميه ابناً شرعياً للونيين غير حياديين الأبيض والأسود، أم نعتبره مزيجاً من لونين مكملين؟ هل يمكن أن يكون الرمادي لونا مفضلا لفنان؟!
تقول الفنانة نجود سعيد: بصراحه اللون الرمادي يسبب لي الكآبة ولا يمكن أن يكون لوني المفضل، عندما نريد ربط الألوان بتسميات معينة لفئات المجتمع هو لون ما بين بين، لون متوسطي لون يشبه الفئة المتوسطة بفقرها وغناها، لكنه جميل حين يكون مع ألوان زاهية كمن يعيش حياة فارهة ويتصدق على الفقراء أو كمن يرسم زهرة جميلة زاهية اللون بخلفية رمادية، لا أحب أن أعطيه صفة النفاق ولا أتفق مع من يقولون : لا تكوني رمادية برأيك، فهو يعبر عن الدبلوماسية والقدرة على التعاطي بكل الاتجاهات.
ويؤكد الفنان آدم الكردي على نفوره من الرمادي فيقول: لم يكن لوني المفضل يوماً رغم اكتساح المجتمع بغالبيته بالرمادي، ورغم التظاهر بالتوشح بأحد اللونين الأبيض والأسود، أفضل أن أشير للرماديين وأقول لهم: آن أوان اتخاذ لونكم الخاص.
أما الفنان رامي صابور المعروف بجرأته في استخدام الألوان الحارة فله وجهة نظر مختلفة حيث يرى الرمادي لوناً جميلاً يستوعب الألوان ويعطيها قيمتها ويساهم بإظهارها.
وتجد الفنانة رانية ريحاوي الطرح دقيقاً ومميزاً على عكس اللون الرمادي الذي لا تفضله لا في الرسم ولافي العلاقات الاجتماعية لأنه برأيها مزيج من اللونين الأسود والأبيض.
وعلى الرغم من وصف الفنان إسماعيل توتنجي الرمادي بلون الحياد الذي يمنح إحساساً بالرتابة والبرود والروتين، بالإضافة إلى أنه يدل على الانطواء والتقوقع، إلا أنه لا ينكر أهميته حيث يقول: للون الرمادي تأثير قوي على بقية الألوان، بإمكانه تخفيض شدة قوة ولمعان الألوان، وقد يجده أكثرنا مملاً ويربطه بالرماديين غير واضحي المواقف، لكن يوجد أيضاً من يحبه لأنه لون أنيق ورسمي، إنه أيضاً يلقي الضوء على الألوان الفاتحة ويبرزها.
والفنانة الشابة إيناس الرشيد تدافع عن لونها المفضل قائلةً: الرمادي لون جميل وهام ومن لا يدرك ذلك ليس فناناً، إنه لون حاضن لكل الألوان ومهدئ لها، وأنا أستخدمه في جميع مراحل الرسم، أما في العلاقات الشخصية فهذا شأن مختلف، بعض الناس يتجنبون المشاكل فيسمون بالرماديين لعدم وضوح مواقفهم، قد يكون ذلك سلبياً لكنه شأن خاص، وأنا لا أحبذ العلاقات الرمادية بل أفضلها وردية ومزهرة.
ويشير الفنان مصباح الببيلي إلى ارتباط الرمادية في العلاقات الاجتماعية بفئات ضعيفة ومريضة نفسياً تلجأ إلى الاحتيال والخديعة، لكنه في الفن لون جميل وأنيق يستخدمه أغلب الفنانين لأنه يخدمهم كثيراً، إنه لون حيادي وبالفعل هو ابن شرعي للأسود والأبيض، لكنه قد يوجد أيضاً حولنا بشكل طبيعي وما الأجمل من الرمادي الألماسي الذي يتشكل بفعل انعكاس ضوء القمر على صفحة الماء، ويختم الببيلي قائلاً: لم يكن الرمادي مفضلاً عندي، بل أنا أميل للبنفسجي، ذلك اللون الراقي الملكي الذي يليق بالمجتمعات المخملية وعالم الأباطرة، إنه لون يثير الشموخ والإحساس بالترف على عكس الرمادي الذي وكما أذكر خلال تواجدي في إسبانيا لإقامة معرض فني لفتتني حالة الرعب والتشنج التي تصيب الناس في الأسواق عندما يمر رجال الشرطة بملابسهم الرمادية، وكان جنود هتلر وفرانكو يرتدون ما يسمى بملابس القوات الرمادية وفي ذلك إشارة واضحة لمدلولات هذا اللون وانعكاساته النفسية السيئة على الشعب حينها.
وفي الختام نؤكد أن موضوع الألوان وتأثيراتها النفسية هو بحث واسع متعدد الأبواب تحكمه مسألة التفاوت في الأذواق وأحياناً مفاهيم متداولة وموروثات اجتماعية وعادات.

نور نديم عمران

تصفح المزيد..
آخر الأخبار