داكــــن حلمــــك ..

العدد: 9519

الخميس:30-1-2020

المشهد سهل وفسيح،

محاصر أنت في خضم إحباطاتك التي لا تنتهي، لا داعي للقلق، فقط عليك أن تتحرك في كل الاتجاهات، لعلّ من يراك يتذكر، يتذكرك أنت بالذات..
لا أدري أولئك الرجال تاريخيون أم زاهدون، ولا أدري إن كنت واحداً منهم، هم سألوا عنك..
قالوا: يسكن قبراً عالياً، يبحث عن مدنه الضائعة، يحلم، يتعب،يمل.. لكن لا يموت،
نهارك قصير, ليلك طويل, أشجارك لا أوراق فيها تقيك حرّ الصيف، وشتاؤك شمسه شاحبة، العمر يرحل من بين أصابعك دون أن تحس به، يرحل مثل شجرة داهمها اليأس على عجل؟ في لحظة هي خارقة من روزنامة أيامك، عدت من دروبك القصية عدت مكسوراً ملتحفاً بالعراء، العراء يشدك إليه، هو مدنك التي غادرتك، هو مداك الذي تحطمت عليه جرار خمر شهوتك، يسكنك ظلك، لا لم يكن هذا الذي تطارده حلمك المقتول، مطارد أنت حتى التعب، تلجأ إلى جذع لتنام أو لترتاح قليلاً، هي لحظة تفيض فيها بكلتا يديك على رماد فكرة غادرتك لتوّها، تفقد ذاكرتك لحظة حضورها، تغيب المدن والشرفات، ظلك يتطاول كشجرة نخيل ضاع منها بريق اخضرارها من يقرأ برجك هذا الصباح، يراك غارقاً في أحلام اليقظة، أو في وجع اليأس، تذكرهم سألوا عنك، تذكر وارحل صوت الجهات، خذ من ماء النهر ما يكفي حاجة مسافتك، دروبك طويلة وشمسك لاهبة.
عليك أن تدرك هذا زمان لا يؤتمن، تغيرت الممكنات وأقفل الصباح خصلة من شعاع دمك، دمك، لا تقل دمي، الضوء، الأرض، الهواء، الأصدقاء، ندهت يا قداس الورد رويداً رويداً إني أموت، وعاد صدى الصراخ، أما آن لوريد النهر أن يسقي هذا اليباس، يباس روحك، الأرض على مدّ النظر، لا صحة توقظ النائمين خلف طواحين الهواء، حلمهم أضحى جثة هامدة، تذكر الأرض تدور، ونحن من الجهة الأخرى من العالم، تذكر الفصول تخون، الحلم يخون، الشفاه العيون، والتواريخ الأمكنة الشوارع المحطات، الكل يخون؟
أمسّ بدوار في رأسه.. سقط أرضاً .. وقف مثل رجل أضاعته جرار الخمرة.. جلس على مقربة من ذاكرة معطلة؟
رأى البحر ينام تحت الريح، ونوارس سوداء تتعارك على سمكة ميتة، ورأى العشاق يتراكضون كالبلهاء.
في الصحراء ماذا تسع غير الصمت المترامي، خلف صهيل النهود العاصفة،
تنادي من يغسل أحزان الروح، النوارس على شواطئ البحار المهجورة أم حورية البحر التي حملتها الأساطير سرّ الضوء.
يا صهيل البحر في كل فجر حياة، كثيرون مروا وأضلوا، الحزن يمر ببابل، هم سألوا عنك.
محطات السفر، انهدامات العمر، خيبات الأمل والكأس المراح، شاهد نفي المرايا، تعب الخريف, غبار الأرصفة فوات الأوان.
هل من وقت لاسترجاع ما مضى، قل، أو هل يكفي هذا الصقيع؟ رأيت نفسك في متاهات متشردة تأبى الانصياع، حين لا يعرف كيف يستوي الليل في لمة النهار،
كثيرون هم يا صديقي التعب، كل ما تخيلته يسقط ثملاً في لحظة وجع قاتلة، ناديتها.. امرأة بلون السراب، فأشرقت في خلوة النبع طيوراً وأنهاراً، أتتك مع الريح مع جهجهات الضوء، رقصت كما الفراشات، احتفاء بالموج، منحتها أنت مجد التراب، أعطتك هي سرّ الخلود، علمتك سرّ الخصوبة، رقصت على أنغام ورق التوت، وأنت كالنحل تدب في مخابئ الجسد الأنثوي، صدرها هذا الحمام المسربل بالنعناع والزعتر البري، من الصبح إلى الصبح تعلوه الطقوس المقدسة، الحمامات البيض تكاثرت، وأنت رماد القلب بكيت؟ وكما قلت لك في البداية، المشهد بسيط وفسيح وسهل، ولا داع للقلق، هي الأيام يا صديقي، تذكر كيف توازن بين الممكن واللا ممكن ..
زمن أحمق، تذكر، ماذا تفصل الموجة عن الموجة، صمت السكون تحت الرمال، أم هي الفاصلة، تذكرهم سألوا عنك.

غازي زربا

تصفح المزيد..
آخر الأخبار