العدد: 9517
الثلاثاء:28-1-2020
ها أنا أقف وحيداً على مفرقٍ من الغياب وطرق الاغتراب، أسلم أمري للرّيح التي ما كفَّتْ تبوح بأوجاع النّوء إذا ما اشتدّتْ وتهدأ إذا ما انطفأ، فأنيني مثلما ريحٌ إذا ما فارقها نوءٌ هدأ وإذا ما اشتدّتْ ازداد صراخاً وعلا الصّوت حتّى ضجّتْ به الطّرقات وتمسكتِ الأوراق بأغصانها خشية أن تبعثرها الرّيح وتُلقي بها في وهادٍ لا قعر لها ولا مستقرّ، فتفقد معنى الحياة وأسبابها التي كانت، وتجد نفسها بلا موطن ولا ذكرى، فكلّ الأماكن تبدّلتْ وكلّ الوجوه تغيّرتْ، وغادرتِ الألوان قوس قزح فبات بلا لون ولم يعد رمزاً للفرح ولا فسحةً للأمل.
أنا الّذي بكى على أيّام مضتْ وحطّتْ ترحالها على قطرات النّدى فتبعثرتْ فوق أزاهير الحزن دمعاً يبكي أيّامه ويكتم أوجاعه، وضاعت بين أثير الصّباح وتغريد البلابل التي رشفتها وما رشفَتْ آلامي وأوجاعي التي ما زلتُ أُراقصها بين حلٍّ وارتحال في كلّ يوم في الغدوّ والإياب، وأصبحتُ ليلاً يبكي ظلمته وحيداً في صمته المجنون بعيداً عن آذان الأحبّة والعيون، وحيداً كما النّجم في ليله المسافر في دروب المجهول.
أيا حبُّ ما أقساكَ وأنت تستطيب ذا العذاب!، أيا حبُّ ما أقساكَ وأنتَ تدقّ على بوّابات الجراح التي ما اندملتْ ولاشقّ الشّفاء لها الطّريق بل ما زالتْ وقد قيّحها وجع الغياب فتهتُ في الدّروب التي أخذتني وأصبحتُ شِلواً مرميّاً أُردّد أغنية الحبّ الذي ما عرفته لولاكِ يا حبيبة عمري وفرحة أيّامي بعد أن غادرتِني وأصبحتُ أقتات أيّام الحبّ على الذّكرى التي تغتالني كلّما عدتُ إليها ظنّاً أنّني سأشفى لأجد نفسي في قاع المواجع لا يد تنشلني وتنقذني إلا طيف خيال يزورني في مناماتي التي أفرّ من صحو الأيّام هرباً فألاقي ما فررتُ منه ينتظرني ويلاقيني في مناماتي، تلك المنامات التي كانت أشبه بدفتر ذكريات جمَعَ جميلَ العمر بين دفّتيه، يعودني كلّما رآني أفقتُ من وجعٍ لأغفو في وجع آخر.
فرحة أيّامي التي هجرتِ الأيّام فما عرفتُ من بعدكِ يا حبّي لا فرحة ولا أيّام، ولا شيء سوى الوقوف على مفرق الغياب ووجع الاغتراب.
نعيم علي ميّا