العدد: 9517
الثلاثاء:28-1-2020
ببساطة وعفوية تنطلق الشاعرة السورية المغتربة فرات إسبر في حديث أدبي راق تفوح من كلماته رائحة الحنين لوطن اشتاقت تفاصيله فجاءته فوق غيمة عطرية تحمل معها مواسم من ألق وحب وإبداع.
حول بداية رحلتها مع القلم تقول الشاعرة: القراءة والكتابة مترادفتان لا يمكن الفصل بينهما وقد ولدت في بيت تغمره الكتب فكنت أتقاضى خمس ليرات مكافأة على ترتيب الكتب، لم أفكر يوماً أن أكون كاتبة ولكن يبدو أن غباراً غمرني لأكتب وكنت صغيرة وكبرت مع ديواني الأول مثل الماء لا يمكن كسرها.
*إذاً هل يمكن القول أن الإبداع يورث بما أنك ولدت ونشأت في أسرة تعشق الفن والأدب؟
**على ما يبدو هنالك ينابيع أولى، الأجنة في الأرحام تتوارث وتتشابه، ويبدو أن ينابيع الإبداع لها جذورها العميقة في عائلتي وأنا أعتز بها وبكل ينابيعها الأولى.
*لكن ذلك لم يكن كافياً ليبقيك قريبة من تلك الينابيع، فها أنت تحلقين منذ عشرين عاماً ما بين بلاد الغربة ومدينتك الساحلية جبلة.. ما بين نيوزلندا وسورية ما الذي اكتسبته وماذا فقدت؟
**ما بين سورية ونيوزيلندا تمتد جسور الحنين، لا يمكن الفصل بين الجسد والرأس، الحرب زادت من الألم والوجع وزادت من الحنين الذي كان حطب الشتاء وشمس الصيف، مهما تعددت الأوطان لا بد من سورية ولو طال السفر وأن تحنى كل عود ودبر.
ما بين نيوزلندا وسورية جسور تتباعد وتبتعد، ثمة شرخ في قلب المهاجر لا يكتمل أبداً بعيداً عن الوطن الأم واللغة الأم، فاللغة التي تشكل هويتنا نخسرها إذا لم نحافظ عليها وتضيع ملامحها في ثنايا لغة أخرى وإذا لم يتدارك المهاجر مسألة اللغة الأم، وخاصة بالنسبة للأجيال التي تولد بعيداً عن الوطن، اللغة الأم هوية لا بد من الحفاظ عليها كجزء من شخصياتنا وحضورها في كل مكان وزمان، ولا أنكر أن نيوزلندا أعطتني الكثير من الجمال وفتحت أمامي أفقاً واسعاً للإبداع، وكما يقول أبو تمام:
وطول مقام المرء في الحي مخلق
لديباجتيه فاغترب تتجدد
*كشاعرة مغتربة، كيف تنظرين إلى الواقع الثقافي في البلد؟
**المشهد الثقافي السوري في حركة مستمرة على الرغم من سنوات الحرب والفوضى التي عمت البلاد بقيت المعارض ودور النشر في حركة مستمرة، الوعي الثقافي لا يتوقف عند حدود معينة ونلاحظ دائماً أصواتا شعرية وثقافية جديدة حيث تعقد الندوات والأمسيات رغم الظروف الصعبة التي مررنا بها، وهذا دليل عافية ثقافية، ولقد أنجبت الحرب أصواتاً جديدة بأنفاس شعرية جديدة زادت من الوعي في فهم الظروف التي غيرت العلاقات الاجتماعية والثقافية.
*وكيف تقيمين علاقة الفن بالشعر؟
**الفن والشعر يشكلان روح الإنسان الذي هو خليط من المتناقضات، من الجمال، من الجنون، من العطاء لذلك لا يمكن الفصل بين الفن والشعر وفي (تحت شجرة بوذا) مجموعتي الجديدة وقفت تحت شجرة سموقان أسعد المدهش بألوانه ومواضيعه التي يشتغل عليها من أوغاريت إلى الأساطير القديمة والحيوانات التي تتجسد في أعماله و(تحت شجرة بوذا) هي قصيدة من النصوص التي تحتويها المجموعة وجدت ظلها في لوحة الفنان، من هنا لا بد من التأكيد على ضرورة الفن والشعر كقيمة فنية وإنسانية.
*هل تعتبرين مجموعتك الأخيرة هي الأهم إذاً أو فلنقل الأكثر نضجاً؟
**بلا شك المبدع يتطور وينضج مع أي عمل جديد يقدمه لكني أيضاً أعتز بتجربتي الأولى (مثل الماء لا يمكن كسرها) و(خدعة الغامض) و(زهرة الجبال العارية) أيضاً (نزهة بين السماء والأرض) ولا بد أن أشير إلى المختارات الشعرية التي صدرت عن دار إشراق في تونس التي ترجمها وقدمها بالفرنسية الأستاذ محمد صالح بن عمر.
*هلا نختم لقاءنا بقطفة حبق من شعرك…
فليكن ختامها إذاً بقصيدة (على باب بيتها):
على بابِ بيتها
الظلامُ يلفُّها
ذاكرتُها كوخٌ قديمٌ
يسكنهُ الأهلُ والجيرانُ.
على باب بيتها
يتساوى
الليلُ والنَّهارُ
تُشيرُ إلى أشدِّ النجوم لمعاناً وتقولُ:
هذه أنا.
تُعزّي نَفْسها بخرابٍ
يشهدُ له كوكبٌ بعيدٌ،
في سماءٍ بعيدةٍ
من أرضٍ بعيدةٍ.
مثل براق تمرُّ أيامها
تعدُّ على أصابع قدميها ما لا تتّسعُ له أصابعُ يديها الذِّكرياتُ
وجهٌ شاحبٌ
هزيلٌ
تلك الذِّكريات،
ربما كانت قد أُصيبت بالجُدري
أو ربما بمرضٍ من أمراض الطفولة
على باب بيتها
وحيدةً تجلسُ
تلمُّ أوراق الذِّكرى
ينابيع الحياة جَفَّتْ فيها
لا أثداءَ لها
لتُرضعَ الأملَ.
نور نديم عمران