العــــــــــــــدد 9514
الخميس 23 كانون الثاني 2019
يقول الفرد هيتشكوك: (الوسيلة الوحيدة للتخلص من المخاوف هي أن نصنع أفلاماً عنها) وباعتبار النفس الإنسانية رغم ما وصلت إليه من تقدم في علومها، بقي الإنسان هو الدائرة الأضعف فيها رغم ما امتلكه من أدوات, مكّنته من اختراق الفضاء إلا أن للحديث الداخلي ولهواجس النفس موقعاً آخر يطفئ فيه النور ويضيء شاشة يحاكي الحياة فيها بكل ما أوتي من فكر، يجسد نفسه ويحادثها ويوثق لحظاته الهاربة في تتابع من الصور تطبع الحكاية التي مرت وتمر وستمرّ على البشرية.
السينما عالمٌ قائمٌ بذاته ولذاته عندما يصنع, وينشر ما اكتنزه على الملأ، يحدد البعد البؤري للعدسة على زمن وإنسان وأحلام، وكان الشغف فيها قديماً إلى أن استطاع الفرنسي لويس لوميير (1864- 1948 ) أن يحقق انتصاره على ظلام الشاشة، فكان له الفضل مع شقيقه أوغست في اختراع السينما وصناعة الكاميرا السينمائية على شاشة كبيرة, كان لويس بالأصل متخصصاً في الفيزياء الأمر الذي ساقه إلى اختراع صنع فيه الفيلم السينمائي، حيث بدأ مع أخيه أوغست الذي كان يدير المشغل، في اختراع الصور المتحركة، لتتوالى بعدها الإنجازات التي وصلت إلى ما هي عليه اليوم ولأن كان للعولمة وعبورها السريع المخيف العابر للقارات، بخلق فلسفة جديدة للتلقي المعرفي وتغيير صبغة تشكيله وتصديره أمرٌ بالغ الأهمية في تدهور وضع السينما، وانحسار دورها لفترة وجيزة، وتراجع طقس ارتياد الصالات السينمائية وقلّ جمهورها، حتى اضطر العدد الأكبر من أصحاب أبنيتها إلى هدمها وترك هذا الجانب التجاري الثقافي إلى جوانب أخرى، وهدم ما تبقى من دورٍ للسينما رغم أن صناعتها ما زالت مستمرة ورغم الأشكال العديدة التي تطور إليها الفيلم ضمن هذه التحولات، لكن الملفت للنظر أن شعبيتها لم تخب، وما زالت الأجيال التي لمْ تعاصر زمنها الذهبي تتلقف إنتاجها وتكون ثقافة وثقافات عنها ومعها، ولو بأسلوب التكنولوجيا الحديث عن طريق الأفلام التي كانت توضع في أجهزة خاصة إلى أن انتقلت إلى ما يسمى بالقرص المدمج أو (السي دي) إلى ظهور وانتشار حالة سينمائية بلبوس جديد في المقاهي والنوادي التي يرتادها الشباب الحالي، وإعلانات لعروض سينمائية عالمية في بث على شاشة ضمن بروتوكول خاص بالمقهى، حيث يتفق مجموعة من الأصدقاء على حضورها ضمن أعداد محددة لضيق المكان وصغر مساحته، يضاف إليها انتشار ما يسمى بتجارة وتسويق الأفلام السينمائية العالمية والمحلية لأشخاص يتسمون بثقافة سينمائية تمكنهم من المساعدة وإبداء الرأي في اختيار وانتقاء الأفلام القديمة منها والحديثة، وهذا ما نشهده وبكثرة في مدينة اللاذقية، حتى ومع انتشار الشاشات المنزلية تطور الأمر إلى طباعة هذه الأفلام وسحبها على ما يسمى بـ (الفلاشة) ليحضرها الزبون في بيته بمفرده أو مع أسرته أو مجموعة يختارها هو، وبقي الفيلم موجوداً يحكي القصة لأن إنسانه ما زال موجوداً، يعيش على سطح هذه الأرض، ولأن السينما حاجة بشرية كما حاجة الإنسان للفنون قاطبة إن لم يكن أكثر وتنبع أهميتها في بعدين البعد النظري في تأثيرها التراكمي على الوعي الفردي وبالتالي الجمعي الذي يحول دورها عندئذ إلى قوة ناعمة في أهميتها العملية ولأنها في الحالتين قوة من قوى الغرس الثقافي لمفاهيم ورؤى آنية أو مستقبلية لجوانب سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية مأمولة لمجتمع ما في مرحلة ما، لذا تعد السينما من وسائل الاتصال التي تُشكل الصورة الذهنية للواقع لدى الأفراد وفي منظورها الزمني تخلق صورة ذهنية تتداخل عوامل عديدة في تشكيلها، قد تكون مدروسة ومدبرة وقد تكون مزاجاً إنسانياً يضبط إيقاعه الطابع البشري مع حركته في محيطه الوطني والعالمي، ويبقى السؤال عن مدى تأثيرها الحالي أو القادم في وقت أصبح العالم مفتوحاً وأصبحت القيم عابرة للقارات، لكن وعبر كل هذا الجدل يبقى للسينما سحرها الخاص الذي ما زال يؤثر فينا ونستتبعه بدون تردد.
يقول المخرج العالمي فرانك كابرا: الفيلم واحد من ثلاث لغات عالمية، الاثنان الآخران هما الرياضيات والموسيقى.
سلمى حلوم