العــــــــــــــدد 9514
الخميس 23 كانون الثاني 2019
قد نصادف في حياتنا من يسمي نفسه كاتباً، شاعراً، أو فناناً، المهم هو يعلمنا بأنه مبدع في أحد صنوف الأدب أو الفن.
نراه منكوش الشعر، أو لديه طريقة تميزه في تسريحة شعره، وإن كان أصلع نراه قد ترك لحيته على حالها، أو صنع (سكسوكة) لها ألف موديل وموديل.. أو تراه زائغ النظرات يركز على هدف، أو يشعرك أنه لا يركز.. وكأنه مشطورٌ إلى عدة أشخاص.. وعندما يكتب، يكتب سطراً أو نصف صفحة ثم يمحو ما كتبه أو يمزقه..
يكوّم ورقاً وبشكل عشوائي، يوزع حوله ما يحتاجه في الكتابة.. وبجلسته يشعل (سيجارة) ويتصنع أنه نسيها، يتركها مشتعلة في صحنها دون اكتراث بها.
يخلط فرشاة الألوان بكأس شايه إن كان رساماً وربما أطفأ سيجارة بفنجان قهوته، يفعل هذا وكأنه لم يحدث شيء، هكذا هو.. بل هكذا يريد أن يراه الآخرون..
تراه يقف دون حاجة في غرفته، يتجول في عدة اتجاهات مختلفة، أو متعاكسة ولو سألته ما بك، فيردّ مع إشارة من يده: انتظر لحظة فقط، إنني أنتظر شيطان الإبداع؟
وربما هنا جاءت عبارة ورب الكعبة جنّ صاحبنا..؟
المهم.. أن بعض من يعمل في الإبداع يأخذ من الجنون فقط، فمن قراءاتهم واطلاعاتهم على أخبار المبدعين نراه وقد أخذ منهم تلك الحالات الغريبة العجيبة، وراح يرددها كالبلهاء..
يقولون: إن (شيلر) كان لا يكتب إلا وقدماه في ماء مثلج، وعرف عن موزارت أن الوحي لا يأتيه إلا وهو يسير بخطا سريعة، أمّا غوته فقد كان يلجأ إلى العزلة ليستمع إلى نفسه تحدثه.
وهناك الكثير ممن يكتبون الشعر على سبيل المثال يأتيهم شيطان الشعر وهم نيام،
يوقظهم من فراشهم فيتخيلون كالمجانين ثم تبدأ لحظة الكتابة الإبداعية المجنونة وقس على ذلك في مجالات أخرى.
إذاً شيطان الإبداع له أوقات محددة عند الكثيرين للحضور وفي أكثر الأحيان غير محددة لكنه عندما يأتي تأتي ساعة الجنون تصبح محددة، والعارفون بأمر الإبداع يقولون إن لحظة الإبداع تأتي بعد جهد وقراءة وعناء.
وساعات… وربما أيام من التفكير ثم تولد هذه اللحظة بعد تعبٍ وعناء شديدين، الكتّاب والشعراء يعرفون كيف يكتبون إنتاجاتهم وكيف يصوغون أفكارهم وكيف ينحتون أشعارهم، وأكثر ما يعرفونه كيف ومتى يمزقونها. يحدث هذا عشرات المرّات مع المبدع في شتى ومختلف أجناس الإبداع إذاً من الطبيعي أن تبدو لحظة الإبداع مفصولة عن اللحظة التي سبقتها والتي تمر بالزمان الذي هي فيه..
وهذه هي طبيعة العقل البشري المركب من ملايين الخلايا والتي تميزها بقيامه بها وأعقد العمليات المستولوجية؟
فإن ما يصدر عنه يعد إبداعاً مثيراً للدهشة ومتميزاً… وبالتالي وهذا الأهم يبدع قليلون دون جنون… ويجن كثيرون دون إبداع..
غازي زربا