لهـــــــــا مــن اســـــــــــــمها نصــــــيب.. الزراعة الحافظة … إنتاج أكثر بتكاليف أقل

العـــــدد 9512

الثــــــلاثاء 21 كانون الثاني 2020

 

أضحت معايير سلامة البيئة وصيانة الموارد الطبيعية غير المتجددة من المرتكزات الأساسية للاستدامة في النظم الزراعية، وهي بمثابة المعيار الأول الذي يقاس به نجاح المشاريع الزراعية كما وأصبح الكشف عن معوقاتها، والعمل على تجاوزها من أولويات اهتمام المراكز والمعاهد البحثية الزراعية بمستوياتها الأكاديمية والتطبيقية.
ولإلقاء الضوء على أهمية الزراعة الحافظة وبداياتها، والأسباب الأكثر أهمية التي جعلت المزارعين يتبنون هذا النظام الزراعي الجديد، وفوائدها، والهدف منها، ومدى تطبيقها على أرض الواقع، مجمل تلك التساؤلات أجابنا عليها الدكتور محمد دكة، اختصاص صيانة التربة والمدرس في كلية الزراعة بجامعة تشرين:

تعد التربة أحد الموارد الطبيعية الأساسية وإن استغلال الإنسان لهذا المورد عبر التاريخ هو الذي سمح بتطور المجتمعات البشرية وبولادة الحضارات التي عرفها التاريخ البشري حتى عصرنا الحالي ولما كانت التربة تنشأ نتيجة لتفاعل عوامل بيئية (المناخ والماء والصخرة الأم، والأحياء) مع بعضها البعض، لذلك نجد أن التربة الزراعية تختلف بخصائصها الفيزيائية والكيميائية حيث أن المحافظة على هذه الخصائص، والعمل على تحسينها بشكل دائم هو من الأمور الضرورية لتأمين حاجات المجتمعات البشرية من الغذاء والماء والكساء والأخشاب والمواد الأخرى على مر العصور، ولذلك ومن أجل الحفاظ على التربة وتحسين إنتاجها فقد تم العمل على إيجاد أو ابتكار نظم جديدة منها الزراعة الحافظة التي تهدف إلى حماية التربة من الانجراف وتحسين خصوبتها والمحافظة على خصائصها الفيزيائية والكيميائية، ورفع نسبة المادة العضوية فيها، والتي تعد من أهم مؤشرات خصوبة التربة وفي تحسين ظروف تمعدن الآزوت حيث يعد نظام الزراعة دون حراثة أو الحراثة السطحية من الأنظمة الزراعية التي تم استخدامها منذ زمن قديم من قبل الحضارات القديمة، والسبب في ذلك هو أن الإنسان في ذلك الوقت لم يكن يمتلك القوة الكافية لحراثة مساحات واسعة من التربة حتى أعماق كبيرة يدوياً.
فعلى سبيل المثال فإن قدماء المصريين قاموا باستخدام العصا من أجل عمل حفرة في التربة لوضع البذور فيها باليد وذلك في تربة غير محروثة وعن التصور الأول لهذه الطريقة في الزراعة ذكر د. دكة كان كطريقة كفوءة لحفظ التربة ثم تطورت إلى إنتاج مستقل أو متطور يعمل ليس فقط على تحسين الصفات الفيزيائية والكيميائية والحيوية للتربة، وإنما يعمل أيضاً على تحسين البيئة من خلال تخفيض انبعاث الغازات الدفينة.
ترتكز فكرة الزراعة الحافظة منذ بدايتها على إيجاد نظام زراعي يهدف إلى حفظ التربة من الانجراف سواء أكان ريحياً أو مائياً وقد قامت كل من الولايات المتحدة وأستراليا وكندا بتطبيق هذا النظام منذ أكثر من خمسين عاماً على الترب التي تزرع بالمحاصيل فعملت على ترك بقايا المحاصيل بعد عملية الحصاد قائمة على سطح التربة حتى موعد المحصول التالي ضمن الدورة الزراعية.
إن الانتشار الأكبر لهذا النظام الزراعي حدث في البداية في أمريكا بينما كانت هناك نسبة صغيرة منه فقط في باقي أنحاء العالم.
وعرف هذا النظام بأنه نظام الزراعة دون حراثة للمحاصيل في تربة لم تتم حراثتها مسبقاً، وذلك بفتح شق ضيق أو خندق بعرض وعمق مناسبين من أجل الحصول على تغطية مناسبة للبذرة ، وقد صممت آلات بذار مخصصة لهذا الغرض.

عمل أقل ومردود أكبر
وأشار د. دكة إلى أن أهم الأسباب التي جعلت المزارعين ينتقلون إلى تبني هذا النظام الزراعي الجديد هي العمل أقل، والمردود أكبر، والتحكم بالانجراف يكون بشكل ملائم بيئياً، ومن أجل تحسين نوعية الحياة.
كما أن لأنظمة الزراعة الحافظة فوائد عديدة لا تستطيع أنظمة الزراعة التقليدية مجاراتها ومن أهم الفوائد:
تخفيض متطلبات العمل، توفير الوقت، توفير الآليات اللازمة والوقود، تحسين الإنتاجية طويلة الأمد، وتحسين نوعية المياه السطحية، التقليل من انجراف التربة.
ويهدف نظام الزراعة الحافظة إلى إعادة البناء الفيزيائي والكيميائي للتربة وإلى زيادة خصوبتها، وذلك بزيادة المادة الدبالية فيها، وأيضاً إلى زيادة قدرة التربة على الاحتفاظ بالرطوبة، والاستفادة القصوى من الهطولات المطرية وأيضاً لهذا النظام الزراعي خصوصية لذلك لابد من التعامل معه عن خبرة، ومعرفة لتحقيق أهدافه فالزراعة تتم ببذارات خاصة تقوم بوضع حبة البذار مع الأسمدة وطمرها دون أي تحريك للتربة ومن دون أي حراثة مسبقة للأرض أو أعداد وتجهيز مهد البذرة.
خلال الزراعة نراقب الأعشاب المنافسة للمحصول ونرش بالمبيدات العشبية المتخصصة لضمان موتها دون قلعها حرصاً على بقاء جذورها في التربة وأوراقها على سطح التربة ويفضل قبل الزراعة إن كانت هناك نباتات أو أعشاب قد أنبتت نتيجة لهطول أمطار مبكرة قبل الزراعة أن تقتل برش مبيد عشبي عام لضمان عدم المنافسة، وبالتالي ونتيجة لتكرار هذه العملية وضمن دورات زراعية متنوعة، وسقوط بذور الأعشاب على سطح التربة وتعرضه للظروف الجوية وموتها يمكن أن يقلل من الأعشاب وإنباتها، وبالتالي خفض نسبة استعمال المبيدات مع الزمن.
وماذا عن الحصاد؟
وأما الحصاد وجني المحصول فيتم استخدام حصادات حسب المحصول المزروع، وذلك على أن تبقى جذور المحصول المزروع في التربة دون قلع، وجزء من النباتات على سطح التربة لتأمين التغطية النباتية للتربة.
وقد تم تطبيق الزراعة الحافظة على أكثر من 95 مليون هكتاراً في العالم وبشكل رئيسي في شمال وجنوب أمريكا، وتقريباً 47% من تقنية الزراعة دون حراثة تمارس في جنوب أميركا، و 39% في الولايات المتحدة وكندا و9% في أستراليا وحوالي 3,9% في بقية أنحاء العالم المتضمن أوروبا وأفريقيا وآسيا.

الزراعة الحافظة في سورية
وبعد أن وصلت هذه التقنية إلى سورية تم إجراء عدة تجارب للتعرف على المزايا بشكل ملموس في كل من حمص وحماة والحسكة في التجربة التي تم إجراؤها في محافظة حمص تمت زراعة 3.5 هكتارات قمح مروي و8 دونمات شعير بعلي، وذلك بإشراف مديرية الزراعة، وبالتعاون مع مركز أكساد والوكالة الألمانية G.T.Z حيث تم توزيع البذار والأسمدة والمبيدات الزراعية مجاناً للمزارعين لتشجيعهم على هذه الزراعة التي تهدف إلى التخلي عن الزراعة التقليدية التي تعتمد على الحراثة، واستبدالها بالزراعة الحافظة للحفاظ على الأحياء الدقيقة في التربة، ومنع انجرافها في الترب المنحدرة والاحتفاظ بالماء لفترة أطول وزيادة كمية انتاج المحصول، ومنع انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون من التربة، وفي محافظة حماة أقام مركز البحوث الزراعية في السلمية ندوة علمية وبعض التجارب الحقلية حول تطبيق تقنية الزراعة دون حراثة، وذلك بالتعاون بين المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (ايكاردا).
أما في محافظة الحسكة، أظهرت نتائج تجارب برنامج الزراعة الحافظة المنفذة في سورية بالتعاون مع الهيئة العلمية العامة للبحوث العلمية الزراعية والهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي ما بين عامي 2004 و 2007 أن الزراعة الحافظة في مجال إنتاج القمح تفوقت على الزراعة التقليدية بنسبة 39%.
وبينت تجارب المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والترب القاحلة (أكساد) أن تطبيق برنامج الزراعة الحافظة للسنة الأولى خلال عامي 2007 و 2008 في محافظة حلب وحمص ودرعا والسويداء، ساعد على زيادة الإنتاج رغم حصول جفاف خلال الموسم، ذلك أن الزيادة في نسبة الإنتاج من القمح تراوحت ما بين 23-30% بالمقارنة مع الزراعة التقليدية.
كذلك أظهرت نتائج البحوث الزراعية الحافظة توفر 25% من استهلاك مياه الري خاصة في محصول القمح، وتزيد الإنتاج بنسبة تتراوح ما بين 10-15%، وتحسن من خواص التربة وتزيد مكوناتها من المادة العضوية على المدى المتوسط بنسبة 25% كما تحد من تعرية وانجراف التربة، وتعمل على تثبيت الآزوت الجوي، إضافة إلى ما توفره من خفض كلفة المنتج واستهلاك الوقود، والآليات والأسمدة ومواد المكافحة وأجور العمالة، لذلك فهذا النظام الزراعي مرشح ليكون بديلاً للزراعة التقليدية حيث تمكن من زيادة الإنتاج وخاصة لمحاصيل الحبوب. وأكد د. دكة على أن زراعة محاصيل الحبوب تحتل الجزء الأكبر من مساحة الترب المزروعة في المنطقة العربية والبالغة 71459 ألف هكتار منها 43790 ألف هكتار مخصصة لمحاصيل الحبوب وتشكل 61,27% من المساحة الإجمالية القابلة للزراعة وتحتل الزراعة المطرية 33117 ألف هكتار، إذ تمثل 46,63% من مجمل الترب القابلة للزراعة، والتي تشكل مصدراً للرزق للعديد من قطاعات المجتمع الريفي والحضري، وتساهم في الدخل القومي.

مريم صالحة

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار