العـــــدد 9507
الثلاثـــــاء 14 كانون الثاني 2020
نسلط الضوء في مادتنا لهذا اليوم على طيفٍ هامٍ من الأطياف الأدبية في عالم الأدب المقارن محاولين قدر الإمكان الإحاطة بالأشكال المتنوعة للترجمات العديدة الخاصة بالرائعة الأدبية التي تُرجمت إلى معظم لغات العالم وأثرت آنذاك في الأجيال المتعاقبة وهي رباعيات الخيام وذلك بالاستعانة بما وثّقه الشاعر والمترجم جهاد الأحمدية في دراسته التي قدمها في مجلة الآداب العالمية الصادرة عن اتحاد الكتّاب العرب في سورية حيث أشار الأحمدية بداية إلى ترجمة أحمد الصافي النجفي عضو النادي الأدبي الفارسي في طهران منّوهاً أن هذه الترجمة هي أقرب الترجمات الشعرية في جميع اللغات إلى الأصل الفارسي وهذا ما أجمع عليه النقاد في تلك الفترة حيث قال الأحمدية بهذا الخصوص:
يقدم النجفي لكتابٍ عنوانه: رباعيات عمر الخيام تحت عنوان: (كلمة المعّرب) فيقول: أول ما قرأت من رباعيات الخيام هو تعريب الأديب وديع البستاني وقد أثرت في نفسي قراءتها حينذاك بحيث نقلتني من عالمي المحسوس إلى عالم خيالي بديعٍ ملؤه اللذة والهناء، فوددت لو بقيت فيه ولا أنتقل إلى هذا العالم المادي المفعم بالآلام وقلت لنفسي إن كان هذا أثر التعريب فما هو أثر الأصل يا ترى؟ من ذلك الحين أخذت أسعى للوصول إلى ينبوع الرباعيات الأصلي و أقمت في طهران ثماني سنين كان همي الوحيد فيها دراسة الأدب الفارسي والنفوذ إلى معانيه الدقيقة ومراميه السامية لأصل منها إلى الينبوع الصافي الذي سالت منه خيالات عمر الخيام الشاعر ثم بلغت من دراسة الأدب الفارسي المنزلة التي كانت تتوق إليها نفسي وأخذت أكتب وأترجم وأنشر في أمهات الصحف الفارسية.
وأشار الأديب الأحمدية أيضاً إلى ترجمة وديع البستاني قائلاً: قدّم البستاني الرباعيات إلى القارئ العربي معّربة نظماً وقد وصف في صفحة الغلاف الداخلي عمر الخيام بالفلكي الشاعر الفيلسوف الفارسي وقد ضمّنت مقدمة للأديب مصطفى لطفي المنفلوطي، يقول البستاني: لعمر الخيام في أمريكا وأوروبا وخصوصاً في انكلترا وفرنسا وألمانيا شهرة طائرة ومقام رفيع، منهما أنتحل لنفسي عذراً في إقدامي على تعريب رباعياته وهي عنوان شهرته وأساس رفعته وقد ترجمت ما ترجمت منها في موشحين سباعيين سميتهما النشيد الأول والثاني… أمام الترجمة الثالثة التي أشار إليها الأحمدية في دراسته فهي لأحمد رامي وهي صادرة عن دار الشروق حيث كتب توحيد أحمد رامي في صفحة الإهداء: إنها الطبعة الخامسة والعشرون من رباعيات الخيام التي ترجمها نظماً عن الفارسية والدي الشاعر أحمد رامي وقد بدأ في ترجمتها في باريس بعد دراسته اللغة الفارسية في مدرسة اللغات الشرقية في جامعة السوربون.. ولقد قال لي والدي :إنه عندما قرأ هذه الترجمات المختلفة أحسّ أن هناك تناغماً بينه وبين الخيام، فهو طروب مثله، غنائي مثله، محب للحياة مثله ولقد عاش أحمد رامي طول حياته المديدة ليحب كل ما هو جميل في الحياة.. وقد شعر أحمد رامي أن الترجمة من لغة إلى لغة قد تؤدي إلى فقدان بعض من الإحساس والمعاني التي في النص الأصلي ولهذا قرر أن يدرس الفارسية ليحسّ بروح الخيّام الأصلية في رباعياته، وقد قام بدراسة كل النسخ الخطية للرباعيات في مكتبات باريس ولندن وبرلين والقاهرة، واختار من كلّ ما نسب إليه ما تحقق له مصدره ووضح خبره و لمس فيه عمق تفكيره وطلاوة أسلوبه.. وفي نهاية دراسته ختم الأحمدية حديثه عن هذا الموضوع بالإشارة إلى ترجمة إبراهيم العريض حيث قال: إن الخياميات هو العنوان الذي اختاره الشاعر البحريني إبراهيم العريض لترجمة رباعيات الخيام وقد صدرت الطبعة الأولى عام 1965، أما الطبعة الخامسة فنقرأ على غلافها الأول: الخياميات – ترجمة إبراهيم العريضي – بتنسيق جديد – ومن مقدمة الشاعر العريض نقتطف: الذي حرصت عليه هو أني جعلت هذه التنسيقات الجديدة (التوائم) تجري متّسقة من الألف إلى الياء حسب استهلاكها تسهيلاً للمراجعة وتأكيداً لاستقلاليتها التامة كوحدة مكسورة وهذا أهون الأهداف ومن جهة أخرى جعلت التفاعل يشتد بين كل توءمين بما يشعُّ من معاني الشاعر إشعاعاً يعوّل على النص وحده ليزداد توهجها امتداداً خارج آفاق هذه المعاني وهذا أصعب الأهداف. فالرباعيات هي الرباعيات لم تتغير وإنما العرض هو الجديد في هذه الطبعة.. وخَلص الأحمدية في نهاية دراسته أن أحمد الصافي النجفي قد استخدم في ترجمته للرباعيات صيغة الشعر العربي الكلاسيكي بينما اتّبع أحمد رامي وإبراهيم العريض طريقة الدوبيت في الوقت الذي لجأ فيه ووديع البستاني إلى السُّباعيات بدلاً من الرباعيات.
ندى كمال سلوم