العـــــدد 9507
الثلاثـــــاء 14 كانون الثاني 2020
إليكَ أيّها المنفيّ في مرآةٍ لا تخجل أن تفضح سرَّها وتقول مرآها وتعلنه على الملأ، إنْ أنتَ أيُّها النّاظر إليِّ لا سواكَ، هذا أنا وأنت هو وكلانا واحد وأنا الحقيقة التي تجرأتْ على نفسها فقصّتْ حكايتها وباحتْ سرَّها وما اختبأتْ خلف أقنعةٍ ما كانت إلاّ لبوسَ أيّامٍ زائفةٍ هاربةٍ من وجع الحقيقة وصدق الكلام.
إليكَ أيُّها الكائن في ثنايا بعضي، وبعضُ بعضي كلّ منك أو جزء منّي، هو أنتَ الذي قد غادر مقرّه ومستقرّه وحطَّ على شفاهٍ ظامئاتٍ إلى الحقيقة بعد أنْ تيبّست عليها مرارة الكلمات وقحّلها جفاف الحبّ على البسمات التي غادرت كما تغادر السّنونو أعشاشها وعلّها تعود كما تعود هذه السّنونو.
أيُّها القابع في ذاتك وأنتَ المُدرِكُ أنّكَ أنا وهذه هي الحقيقة التي لا تُوارى، ها أنا أُعلنها على الملأ عبر عينيكَ اللتين التجأتا إليَّ (أنا المرآة) فكنتُ النّاصحَ وربّما كنتُ الفاضحَ لكلّ ما تسعى أن يكون سرّاً، فأبوح به علناً بيني وبينكَ صمتاً .
أيُّتها الحقيقة الأبديّة الأزليّة وأيّتها الصّورة المثاليّة التي كانت على صورة خالقٍ أراد أن يُباهي بخلقه فكان الإنسان وكان السّجود ولعظمته كان تسخير كلّ ما في الكون لأجله، فعساه أن يكون تكويناً إلهيّاً كما أراد له الخالق أن يكون، عندما باح بسرّ الخلق والإعجاز ونادى للملائكة أنِ اسجدوا لخير الخلق وأعظمهم، اسجدوا لخير الصّور وأجملها، اسجدوا لمن علم بما لا يعلم غيره وقد علّمه عليم عالم بما خلقَ وأمرَ.
أيّتها النّفس الحقيقيّة الصّافية التي اشتاقت إلى خالقها لتراه ويراها كما خلقها، ما عليكِ إلاّ أن تعودي إلى البدء الأوّل حيث الإنسان الأوّل في خلقه الأوّل بعيداً عن الإنسان الموجود في اللاوجود بعد الوجود وحيث لا بقاء إلاّ في عالم الخلود حيث الرّسالة الإنسانيّة القائمة على المحبّة والسلام.
ألا أيّتها المرآة أخبريني بما تريدين أن تقولي لو أُتيح لكِ أن تتكلّمي وتفضحي سرّي أم أنّك ستبقين على عهدي بكِ وتُعلنين أنّكِ صورتي الأخرى.
نعيم علي ميّا