العدد: 9503
الاربعاء:8-1-2020
للقنديل مسار ومسير يحمله من يتوق للنور، تتضح به الرؤيا وتستجلي بعض من مساحات وأزمان ،فكيف إذا كان حامل هذا القنديل قلباً سورياً أصيلاً، باحثاً دؤوباً وتربوياً فاضلاً أديباُ وشاعراً وفيّاً حمل على عاتقه وطناً بكل أبعاده وأحداثه وأشجانه ولمّ باقة محبته في ملتقى القنديل الثقافي إنه الأديب والباحث حيدر نعيسة مع مجموعة من المثقّفين السوريين كالمهندس هيثم بيشاني وآخرين عاهدوا العقل قبل القلب والأرض قبل الابن..
في لقائه الأول لهذا العام 2020 كان لملتقى القنديل موعد يوم الأحد الماضي الواقع في /5/ كانون الثاني ضمّ لفيفاً من المثقفين السوريين من اختصاصات عدة متنوعة، جمعهم الحبّ وفكر العطاء ليكون أشبه بلقاء الإخوة في بيت واحد، البدء كان بكلمة ترحيبية للباحث نعيسة رحّب فيها بالحضور قائلاً: «عامٌ بدأ فكل عام وأنتم بخير إلا أن استئناف العمل كما في آخر يوم من العام الأخير، والعمر أعوام وأيام، ولا يُقاس العمر بعدد السنين بل يقاس بما قدم الإنسان عمر الشاعر بعدد دواوينه وعمر الكاتب بعدد كتبه وعمر الرسام بعدد لوحاته وقيمة المرء بما يستهلكه من أوراق وأقلام .فتعالوا يا اصحاب القنديل نجس اليد أسرع ونبحث عن بقاع سود لنحيلها إلى بقاع بيض، تعالوا نعمل ونتعلم أكثر فقد هلك قوم ترك السؤال وترك كلمة لا أدري أيها الأخوة والأخوات يا أغصان شجرة القنديل وكل غصن فيها ضوء وشعاع كل عام وأنتم بخير وكل عام وأنتم الخير لأن العلم خير والأدب خير والفن خير كل عام والوطن بشعبه وجيشه وقائده بألف خير».
في نهاية هذه الكلمة كانت البداية مع المشاركين في هذا اللقاء والذي ضمّ وجوه سورية مبدعة في عوالمها فكانت البداية مع د. أسامة نعيسة اختصاص جراحة أطفال وهو أول طبيب جراح في اللاذقية قاده تخصصه الذي درسه في روسيا إلى تغيير العديد من المفاهيم الطبية الخاطئة التي كانت سائدة فتحدث عنها د. أسامة قائلاً في محاضرته ومستعرضاً ثلاثة جوانب هامة عن تاريخ الطب في محافظة اللاذقية وتوضيح مفصل عن جراحة الأطفال ومفهومها. والجانب الثالث كان عن أمراض الشتاء وسبل الوقاية منها فقال في مقطع من حديثه: «حتى 1940 كان عدد أطباء مدينة اللاذقية لا يتجاوز عدد أصابع اليد وكان يشاركهم هذه المهنة ما يسمى بالأطباء الشعبيين وظل الأمر كذلك حتى عام 1955 حيث بدأت الاختصاصات الطبية المختلفة تنتشر بعد مرحلة طويلة من طبّ عام وانفصل أيضاً الطب عن الجراحة واستمرت عن توالي العلوم ليظهر تخصص التخصص ومنه طبّ الأطفال الذي انفصل عن الطب العام وكان له مجاله المستقل وطريقة التعاطي الطبي معها مختلف، فالطفل من عمر شهر إلى سنة يعتبر رضيع ومن سنة إلى 3 سنوات هي فترة حضانة، و من 3 سنوات إلى 6 سنوات هو تحضير للمدرسة، و من 6 سنوات إلى 12 سنة فترة مدرسية، و من 12- 14 سنة فترة البلوغ هذه الفترة يصبح له مجال طبي آخر مع الكبار وكل مرحلة من هذه المراحل يختلف العلاج فيها مثلما تختلف أمراضها، كما أنها تختلف بين الذكر والأنثى فكلّ له طريقة علاج وأدوات خاصة، وتابع د. أسامة متحدثاً عن أمراض الشتاء موضحاً الفرق بين الزكام والانفلونزا وكيفية وآلية التعاطي معهما كل على حده في ختام حديثه توجهت له عديد من الأسئلة الهامة التي أجاب عنها وأوضحت الصورة تماماً بعد الطب وأشجانه كان للشعر موعد آخر مع أشجانه حيث قدمت الشاعرة سارة خيربيك قصيدة شعرية بعنوان( قاسم الشهيد) تقول في مطلعها:
وأمريكا تسومُ الناسُ خِسفاً
وسمُ الغدر يفتك بالصواب
وتزعم أنها بلد السلام
بذور الشر تزرعها.. نبابِ
نذير الشؤم أفقدني صوابي
وأوغل في عذابي واضطرابي
ومع شجن آخر ومن نوع ثان كان للفن التشكيلي موعد حيث عُرضت لوحتان تشكيليتان للفنان زهير قشعور ليقوم الفنان بشرح نوع الفن فيهما ليغوص أكثر في مفاهيم ومدارس الفن التشكيلي وليشرح الفرق بينهما ، وليميز للحضور الفرق بين المدرسة الواقعية الصرفة والمدرسة الواقعية المتخيّلة، والمعالم الأساسية للفن التعبيري، كما استعرض قشعور هموم الفنانين السوريين وآلية التعاطي مع هذا الفن الذي قال عنه :إنه المرآة الصادقة للشعوب وللواقع وعبّر بحزن عن مشاعره لغياب الثقافة الفنية التشكيلية عن فئات الشعب بشكل عام حيث قارن المواطن الغربي الذي يعرف كل فناني بلدانهم وما قدموه.
– وفي وقفة أخرى عاد الشعر يصدح على لسان الشاعرة وديعة درويش مديرة المركز السوري للثقافة والذي مركزه قرية سنجوان فألقت قصيدة من ديوانها (بائعة الهندباء) كما قدم الشاعر أحمد داؤود مدير ملتقى الشراع الثقافي قصيدتين شعريتين الأولى وطنية والثانية عاطفية، وتابع الشعر حاله في شجن مع وقفة من الشعر المحكي والشاعرة ابتسام خضر نائبة رئيس جمعية مواهب التي قدمت مجموعة من المقتطفات الزجلية باللغة المحكية تقول في مقطع من قصيدة:
من عيونك سرقت للدفا مونة /حضنت حبك وصرت فيك مجنونة/ لو كل الناس حكوا و زادوا كلام /بقلّنى .. ملاك.. لو تشوفوه بعيوني..
– وفي هذا الجو التفاعلي الذي تخلله العديد من الفقرات الشعرية والفكاهات والتعليقات فتحت باب النقاش لأكثر من موضوع حيوي مُلح كالموضوع الثقافي الحالي الذي نوّه عليه جوزيف جبور عضو جمعية العاديات ورئيسها في اللاذقية حيث نوّه إلى أن الثقافة سلوك وفكر تراكمي نراه في التفاصيل الصغيرة والكبيرة كلاهما لا ينفصل عن الآخر. فالبيئة هي الثقافة والثقافة هي البيئة التي يجب أن نخلقها دائماً..
– ومع النقد كان للسيد أمين عيسى وهو أحد أفراد وأبناء جريدة الوحدة حيث قدم رؤية نقدية أدبية عن واقع الحركة الأدبية الحالية وخاصة الشعرية لامس فيها الجرح الحقيقي لواقع أدبي يبتعد منذ حين عن مكنوناته حيث يقول في ختام كلمته الهامة: «الشاعر الحقيقي هو مغني القافلة الإنسانية نحو أحلامها الكبرى، وثمة شعراء أخذوا على عاتقهم مهمة وصل ما انقطع بين مرحلة شعراء القصيدة العمالقة .فالمهمة هي التصدي للقصائد المبتذلة والطارئة والسائدة حيث هناك من يريد أن تبقى القصيدة مرفهة ومروجة لأحلام كاذبة».
– ومن هذا اللفيف الأدبي المتنوع كان للروائي فداء علاء الدين مداخلة شعرية بقصيدة (دفاتر الشجن) وللمهندس مهند حاتم قصيدة أخرى شاركت الوجدان كانت بعنوان (يا روح) والختام كان للمهندس هيثم بيشاني مع قصيدتين سطريتين شعريتين زادت دفء الحضور في تلاحم جمعي للحبّ والاحترام لوّن صورة الغد بألوان جميلة لقوس القزح من قصيدة بيشاني نقتطع الآتي.